تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَفِي الْحَدِيث أَيْضًا أَنَّ الْكَفَّارَة بِالْخِصَالِ الثَّلَاث عَلَى التَّرْتِيب الْمَذْكُور. قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ: لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَقَلَهُ مِنْ أَمْرٍ بَعْدَ عَدَمِهِ لِأَمْرٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ التَّخْيِير.

قَوْلُهُ: (فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ بِالْإِعْسَارِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا لَا تُصْرَفُ فِي النَّفْسِ وَالْعِيَالِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِقْرَارَهَا فِي ذِمَّتِهِ إلَى حِينِ يَسَارِهِ، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَجَزَمَ بِهِ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَالَ الْجُمْهُورُ: لَا تَسْقُطُ بِالْإِعْسَارِ، قَالُوا: وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِهَا عَنْ الْمُعْسِرِ، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَةِ أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ الْكَفَّارَةَ فِيهِمْ.

قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 197)]:

وصفة الكفارة الواجبة هي كما ذكرنا في رواية جمهور أصحاب الزهري: من عتق رقبة لا يجزئه غيرها مادام يقدر عليها، فان لم يقدر عليها لزمه صوم شهرين متتابعين، فان لم يقدر عليها لزمه حينئذ اطعام ستين مسكينا ...... وبقولنا يقول أبو حنيفة، والشافعي، وأبو سليمان، وأحمد وجمهور الناس.أ. هـ

وَذُكِرَ فِي حِكْمَةِ هَذِهِ الْخِصَال مِنْ الْمُنَاسَبَة أَنَّ مَنْ اِنْتَهَكَ حُرْمَةَ الصَّوْم بِالْجِمَاعِ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ بِالْمَعْصِيَةِ فَنَاسَبَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً فَيَفْدِي نَفْسَهُ , وَقَدْ صَحَّ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَة أَعْتَقَ اللَّه بِكُلِّ عُضْو مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّار. وَأَمَّا الصِّيَام فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ كَالْمُقَاصَّةِ بِجِنْسِ الْجِنَايَة , وَأَمَّا كَوْنُهُ شَهْرَيْنِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِمُصَابَرَةِ النَّفْس فِي حِفْظِ كُلّ يَوْم مِنْ شَهْر رَمَضَان عَلَى الْوَلَاء فَلَمَّا أَفْسَدَ مِنْهُ يَوْمًا كَانَ كَمَنْ أَفْسَدَ الشَّهْر كُلّه مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ بِالنَّوْعِ فَكُلِّفَ بِشَهْرَيْنِ مُضَاعَفَة عَلَى سَبِيل الْمُقَابَلَة لِنَقِيضِ قَصْده. وَأَمَّا الْإِطْعَام فَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ مُقَابَلَة كُلّ يَوْم بِإِطْعَامِ مِسْكَيْنِ. ثُمَّ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ جَامِعَة لِاشْتِمَالِهَا عَلَى حَقّ اللَّه وَهُوَ الصَّوْم , وَحَقّ الْأَحْرَار بِالْإِطْعَامِ , وَحَقّ الْأَرِقَّاء بِالْإِعْتَاقِ , وَحَقّ الْجَانِي بِثَوَابِ الِامْتِثَال. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِيجَاب الْكَفَّارَة بِالْجِمَاعِ.

وَالْمُرَاد بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاء لَا اِشْتِرَاط حَقِيقَة الْإِطْعَام مِنْ وَضْعِ الْمَطْعُوم فِي الْفَم بَلْ يَكْفِي الْوَضْع بَيْن يَدَيْهِ بِلَا خِلَاف , وَفِي إِطْلَاق الْإِطْعَام مَا يَدُلّ عَلَى الِاكْتِفَاء بِوُجُودِ الْإِطْعَام مِنْ غَيْر اِشْتِرَاط مُنَاوَلَة , بِخِلَافِ زَكَاة الْفَرْض فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْإِيتَاء وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ فِيهَا النَّصَّ عَلَى الْأَدَاء , وَفِي ذِكْرِ الْإِطْعَام مَا يَدُلّ عَلَى وُجُودِ طَاعِمِينِ فَيُخْرِجُ الطِّفْل الَّذِي لَمْ يَطْعَمْ كَقَوْلِ الْحَنَفِيَّة , وَنَظَرَ الشَّافِعِيّ إِلَى النَّوْع فَقَالَ: يُسَلَّمُ لِوَلِيِّهِ , وَذَكَرَ السِّتِّينَ لِيُفْهَمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا زَادَ عَلَيْهَا , وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْمَفْهُومِ تَمَسَّكَ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ.

قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 201وما بعدها)]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير