وهذا كله إن حصل بفعلٍ إراديٍّ من الإنسان، أي قام بالاستعاط، أو قام بالتدخين، أو استنشق عامداً الدخان المتصاعد من البخور المشتعِل، أو ترك الماء، أو الدواء يغليان على النار وقام باستنشاق بخارهما للعلاج أو لغيره، أو رشَّ بخَّاخ الربو في فمه ليدخل منه في جوفه فكل ذلك في واقعه إِدخال أجرامٍ وأجسامٍ في البلعوم، فيُفْطِر الصائم بأي منها.
أما إن حصل كل ذلك بغير إرادةٍ من الإنسان فإنه لا يُفْطِر، لأن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب على فعلٍ لا إرادة للإنسان فيه فمن جلس إلى جوار مدخِّن أو قربَ عودِ بخُّورٍ مشتعلٍ في غرفة، ودخل في صدره شيءٌ منه دون قصد ولا إرادة فإنه يظلُّ صائماً ولا يفطر، وإذا كان الجو رطباً مُشْبَعاً ببخار الماء، أو كان الحمَّام مشبعاً ببخار الماء المتصاعد من الماء الحار، واستنشق الصائم بخار الماء هذا أو ذاك رغماً عنه، دون إرادة ولا قصد، فإنه لا يفطر. وقل مثل ذلك بخصوص الغبار في الجو، وخاصةً في أيام الزوابع والعواصف الخماسينية، فإن استنشاق الغبار آنذاك لا يفطر الصائم، ولا يفطر إلا إذا أدخل هو بإرادةٍ منه وقصدٍ أشياءَ مما سبق. أ.هـ
س:هل المعاصى تفسد الصيام وهل من يقع فيها وهو صائم يعد مفطرا؟
الجواب:
من أهمّ ما ينبغي أن يترفّع عنه الصّائم ويحذره: ما يحبط معه أجر صومه من المعاصي الظّاهرة والباطنة ونحوها، فيصون لسانه عن اللّغو والهذيان والكذب، والغيبة والنّميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكفّ جوارحه عن جميع الشّهوات والمحرّمات، ويشتغل بالعبادة، وذكر اللّه، وتلاوة القرآن وهذا كما يقول الغزاليّ: هو سرّ الصّوم.
وقد ذهب ابن حزم الى ان المعاصى القوليه والعمليه تجعل الصوم فاسد ويصبح الصائم بالمعاصى مفطر , وجمهور العلماء على انها تنقصه لاتبطله ولايصبح العاصى بمعصيته مفطرا , وقد وردت نصوص كثيرة صحيحة تحذر من مغبة المعاصى واثرها السئ على الصيام من ذلك:
اخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ". [كتاب الصوم - بَاب مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فِي الصَّوْمِ]
قال ابن حجر فى الشرح:
قَوْلُهُ: (قَوْل الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ) .... وَلِابْن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ اِبْن الْمُبَارَك " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْل الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ ".
وَالْمُرَاد بِقَوْلِ الزُّورِ: الْكَذِبُ , وَالْجَهْلِ: السَّفَهُ , وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ " وَالْعَمَلُ بِهِ " فَيَعُودُ عَلَى الزُّورِ , وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا عَلَى الْجَهْلِ أَيْ وَالْعَمَل بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) قَالَ اِبْن بَطَّال: لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ , وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِير مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ , وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ " مَنْ بَاع الْخَمْر فَلْيُشَقِّصْ الْخَنَازِير " أَيْ يَذْبَحْهَا , وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَبْحِهَا وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّحْذِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لِإِثْم بَائِع الْخَمْر. وَأَمَّا قَوْلُهُ " فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَة " فَلَا مَفْهُومَ لَهُ , فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْء ..... فَالْمُرَاد رَدّ الصَّوْم الْمُتَلَبِّس بِالزُّورِ وَقَبُول السَّالِم مِنْهُ , وَقَرِيب مِنْ هَذَا قَوْله تَعَالَى:" لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " [الحج – 37] فَإِنَّ مَعْنَاهُ لَنْ يُصِيبَ رِضَاهُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الْقَبُول. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ: مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لَا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الصِّيَام لَا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْم الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْ شَرْعِيَّةِ
¥