وقَوْله (بُدٌّ مِنْ قَضَاء) هُوَ اِسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ مَحْذُوفُ الْأَدَاةِ وَالْمَعْنَى لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي ذَرٍّ " لَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ " ...... وَفِي آخِري " فَقَالَ إِنْسَان لِهِشَامٍ أَقَضَوْا أَمْ لَا "؟ فَقَالَ " لَا أَدْرِي " وَظَاهِر هَذِهِ الرِّوَايَة تُعَارِضُ الَّتِي قَبْلَهَا , لَكِنْ يُجْمَعُ بِأَنَّ جَزْمَهُ بِالْقَضَاءِ مَحْمُول عَلَى أَنَّهُ اِسْتَنَدَ فِيهِ إِلَى دَلِيل آخَر.أ. هـ
أما فى حال الشك فى طلوع الفجر:
قال ابن حزم: [المحلى - (ج 6 / ص 229وما بعدها)]
مسألة ولا يلزم صوم في رمضان ولا في غيره الا بتبين طلوع الفجر الثاني، وأما ما لم يتبين فالاكل والشرب والجماع، مباح كل ذلك، كان على شك من طلوع الفجر أو على يقين من أنه لم يطلع، فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما في فمه من طعام وشراب، وليصم، ولا قضاء عليه، ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته، وليصم، ولاقضاء عليه، سواء في كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة، وصومه تام، ولو أقام عامدا فعليه الكفارة.
ومن أكل شاكا في غروب الشمس أو شرب فهو عاص لله تعالى، مفسد لصومه، ولا يقدر على القضاء، فان جامع شاكا في غروب الشمس فعليه الكفارة.
برهان ذلك قول الله عزوجل:" فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة/187]، وهذا نص ما قلنا، لان الله تعالى أباح الوطئ والاكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر، ولا قال: حتى تشكوا في الفجر، فلا يحل لاحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء، ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم إلى الليل.
وقال نافع: عن ابن عمر، قالت عائشة وابن عمر كان (بلا يؤذن بليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان بلا لا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، فانه لا يؤذن حتى يطلع الفجر" [متفق عليه]
عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ان بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم، قال: وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له: أصبحت أصبحت". [رواه البخارى (1/ 163) و مسلم (3/ 129)]
سمرة بن جندب يقول: قال رسول الله عليه السلام: (لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور، ولا هذا البياض حتى يستطير". [رواه مسلم (3/ 130)]
وكذلك حديث عدى بن حاتم، وسهل بن سعد في الخيطين الاسود، والابيض، فقال عليه السلام: " انما ذلك سواد الليل وبياض النهار". [انظر حديث رقم: 2275 في صحيح الجامع].
قال أبو محمد: فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم يؤذن حتى يطلع
الفجر، وأباح الاكل إلى أذانه، فقد صح أن الاكل مباح ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه.
عن أنس عن أبى بكر الصديق أنه قال: إذا نظر الرجلان إلى الفجر فشك أحدهما فليأكلا حتى يتبين لهما.
ومن طريق الحسن: أن عمر بن الخطاب كان يقول: إذا شك الرجلان في الفجر فليأكلا حتى يستيقنا.
عن عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس قال: أحل الله الشراب ما شككت، يعنى في الفجر.
عن مكحول الازدي قال: رأيت ابن عمر أخذ دلوا من زمزم وقال لرجلين: أطلع الفجر؟ قال أحدهما: قد طلع، وقال الآخر: لا، فشرب ابن عمر.
وعن محمد بن على بن الحسين: كل حتى يتبين لك الفجر .... وعن الحسن: كل ما امتريت
فان ذكروا رواية هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فيمن أفطر وهو يرى أنه ليل فطلعت الشمس: أنه عليه القضاء وبالرواية عن عمر بمثل ذلك: فانما هذا في الافطار عند الليل، لا في الاكل شاكا في الفجر، وبين الامرين فرق، ولا يحل الاكل الا بعد يقين غروب الشمس، لان الله تعالى قال (إلى الليل) فمن أكل شاكا في مجئ الليل فقد عصى الله تعالى، وصيامه باطل، فان جامع فعليه الكفارة، لانه في فرض الصيام، ما لم يوقن الليل، بخلاف قوله: (حتى يتبين لكم الخيط الابيض) لان هذا في فرض الافطار حتى يوقن بالنهار. أ.هـ
¥