فإنه لا خلاف بين العلماء – أيضاً - في جواز صلاة النافلة في الحضر، جالساً، باتجاه القبلة مع القدرة على القيام، وأن للمصلي على هذه الهيئة نصف أجر المصلي قائماً.
قال ابن قدامة – رحمه الله -:
" لا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً، وأنه في القيام أفضل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ) متفق عليه – رواه البخاري (1064) فقط -، وفي لفظ مسلم – (735) - (صَلاَةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا عَلَى نِصْفِ الصَّلاَةِ) " انتهى " المغني " (1/ 811).
وعليه: فمن صلَّى الضحى – أو غيرها من النوافل أو الرواتب – في سيارته الواقفة جالساً في الحضر، وكان اتجاه السيارة إلى القبلة – أو استطاع هو أن يتجه إلى القبلة -: فإنه لا حرج عليه لو صلَّى على تلك الحال بالاتفاق، ولا فرق بين أن يصلي جالساً – والحالة هذه – في سيارة أو في بيت أو مسجد، وله أن يومئ في الركوع، كما يفعل في صلاته جالساً فيما ذكرناه من تلك الأماكن، فحكم السيارة الواقفة حكم الأرض، ولا يسقط عنه شرط الاتجاه إلى القبلة.
ويكون للمصلي في تلك الحال نصف أجر صلاة القائم كما سبق ذِكره في الحديث الصحيح.
وأما المسألة الثالثة:
هل يجوز الصلاة في السيارة السائرة جالساً لغير اتجاه القبلة في الحضر، كما هو الحال في السفر، أم إن تلك الحال للمصلي لا تصلح إلا في السفر؟ قولان للعلماء:
القول الأول: عدم الجواز، وهو قول الجمهور.
القول الثاني: الجواز، وذهب إلى هذا القول أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة، وأبو سعيد الاصطخري من الشافعية، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو قول الطبري والأوزاعي وابن حزم.
وقال به من المعاصرين: الشيخ عبد الله بن عقيل، والشيخ عبد الله بن قعود، وقال الشيخان عبد الله بن جبرين وعبد الكريم الخضير بالجواز في حال خشي المصلي فوات وقت النافلة، أو الراتبة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:
" وأما الصلاة على الراحلة: فقد ثبت فى الصحيح بل استفاض عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلِّي على راحلته في السفر قبَل أي وجه توجهت به، ويوتر عليها، غير أنه لا يصلِّي عليها المكتوبة.
وهل يسوغ ذلك في الحضر؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (24/ 37، 38).
وانظر " شرح مسلم " للنووي (5/ 211) و " المجموع " – له – (3/ 212)، و " المحلى " لابن حزم " (3/ 56)، و " نيل الأوطار " للشوكاني (2/ 149).
وتنظر رسالة الشيخ عبد الله بن عقيل حفظه الله التي ألَّفها لهذا المسألة تحديداً وهي بعنوان " تُحْفَةُ اْلقَافِلَةِ فِي حُكْمِ الْصَّلَاةِ عَلَى الْرَّاحِلَة ".
فعند هؤلاء العلماء يجوز لمن يركب السيارة السائرة في الشارع أن يصلي فيها الضحى – وغيرها من الرواتب والنوافل – جالساً – ولا يفضَّل ذلك للسائق - ويومئ المصلي في ركوعه وسجوده، ويكون إيماؤه في سجوده أخفض من إيمائه في ركوعه.
والأظهر في ذلك قول الجمهور، وهو أن صلاة النافلة جالساً، ولغير القبلة، إنما هي لمن كان راكباً على الراحلة السائرة، وفي السفر دون الحضر، وهو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما يرجحه من المعاصرين الشيخان عبد العزيز بن باز والعثيمين رحمهما الله، وغيرهما كثير.
وينظر جواب السؤال رقم (21869).
تنبيه:
إذا صلى النافلة قاعدا، وهو قادر على القيام، فإنه يأتي بالسجود على هيئته على الأرض، على الأظهر من قولي أهل العلم، وإنما يسقط عنه القيام، والركوع تبع له.
قال ابن رشد ـ الجد ـ: " محمد بن أحمد: قوله إن القاعد لا يومىء بالسجود إلا من علة، يريد في الفريضة، صحيح لا اختلاف فيه، لأن السجود فرض كالقيام، فلا يسقط عنه إلا بعدم القدرة عليه.
وإنما قال: إن له أن يومئ في النوافل من غير علة لما جاء من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى قائماً فهو أفضل، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائماً فله نصف أجر القاعد) ومعلوم أنه من صلى نائماً فإنه يومئ بالركوع والسجود؛ فإذا جاز أن يترك القعود والسجود مع القدرة عليهما، جاز أن يترك السجود دون القعود.
¥