فإن كان من طريق البر نزل فيها إن مر بها أو فيما حاذاها إن لم يمر بها، وأتى بما ينبغي أن يأتي به عند الإحرام من الاغتسال وتطييب بدنه ولبس ثياب إحرامه، ثم يحرم قبل مغادرته.
وإن كان من طريق البحر فإن كانت الباخرة تقف عند محاذات الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه حال وقوفها، ثم أحرم قبل سيرها، وإن كانت لا تقف عند محاذات الميقات اغتسل وتطيب ولبس ثياب إحرامه قبل أن تحاذيه ثم يحرم إذا حاذته.
وإن كان من طريق الجو اغتسل عند ركوب الطائرة وتطيب ولبس ثوب إحرامه قبل محاذات الميقات، ثم أحرم قبيل محاذاته، ولا ينتظر حتى يحاذيه؛ لأن الطائرة تمر به سريعة فلا تعطي فرصة، وإن أحرم قبله احتياطا فلا بأس لأنه لا يضره.
والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس أنهم يمرون من فوق الميقات في الطائرة أو من فوق محاذاته ثم يؤخرون الإحرام حتى ينزلوا في مطار جدة وهذا مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وتعدِّ لحدود الله تعالى.
وفي صحيح البخاري عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما فُتح هذان المصران ـ يعني البصرة والكوفة ـ أتوا عمر رضي الله عنه فقالوا: (يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم حد لأهل نجد قرناً وإنه جورٌ عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرناً شق علينا قال: فانظروا إلى حذوها من طريقكم) فجعل أمير المؤمنين أحد الخلفاء الراشدين ميقات من لم يمر بالميقات إذا حاذاه، ومن حاذاه جواً فهو كمن حاذاه براً ولا فرق.
فإذا وقع الإنسان في هذا الخطأ فنزل جدة قبل أن يحرم فعليه أن يرجع إلى الميقات الذي حاذاه في الطائرة فيحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة فعليه عند أكثر العلماء فدية يذبحها في مكة ويفرقها كلها على الفقراء فيها، ولا يأكل منها ولا يهدي منها لغني لأنها بمنزلة الكفارة.
الطواف والأخطاء الفعلية فيه
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أبتدأ الطواف من الحجر الأسود في الركن اليماني الشرقي من البيت، وأنه طاف بجميع البيت من وراء الحجر. وأنه رمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط في الطواف أول ما قدم مكة.
وانه كان في طوافه يستلم الحجر الأسود ويقبله واستلمه بيده وقبلها، واستلمه بمحجن كان معه وقبّل المحجن وهو راكب على بعيره وطاف على بعيره فجعل يشير إلى الركن يعني الحجر كلما مر به.وثبت عنه أنه كان يستلم الركن اليماني.
واختلاف الصفات في استلام الحجر إنما كان ـ والله أعلم ـ حسب السهولة، فما سهل عليه منها فعله، وكل ما فعله من الاستلام والتقبيل والإشارة إنما هو تعبد لله تعالى وتعظيم له لا اعتقاد أن الحجر ينفع أو يضر، وفي الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقبل الحجر ويقول: (إني لأعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
والأخطاء التي تقع من بعض الحجاج:
1. ابتداء الطواف من قبل الحجر أي من بينه وبين الركن اليماني، وهذا من الغلو في الدين الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يشبه من بعض الوجوه تقدم رمضان بيوم أو يومين، وقد ثبت النهي عنه.وادعاء بعض الحجاج أنه يفعل ذلك احتياطاً غير مقبول منه، فالاحتياط الحقيقي النافع هو اتباع الشريعة وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله.
2. طوافهم عند الزحام بالجزء المسقوف من الكعبة فقط بحيث يدخل من باب الحجر إلى الباب المقابل ويدع بقية الحجر عن يمينه، وهذا خطأ عظيم لا يصح الطواف بفعله، لأن الحقيقة انه لم يطف بالبيت وإنما طاف ببعضه.
3. الرمل في جميع الأشواط السبعة.
4. المزاحمة الشديدة للوصول إلى الحجر لتقبيله حتى إنه يؤدي في بعض الأحيان إلى المقاتلة والمشاتمة، فيحصل من التضارب والأقوال المنكرة ما لا يليق بهذا العمل ولا بهذا المكان في مسجد الله الحرام وتحت ظل بيته، فينقص بذلك الطواف بل النسك كله، لقوله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة: الآية197). وهذه المزاحمة تذهب الخشوع وتنسي ذكر الله تعالى، وهما من أعظم المقصود في الطواف.
¥