تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكانت الجاهلية تعرف ذلك، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فلا يؤذيه بشيء حتى يخرج، فهذا البيت العتيق، وهذا الحرم العظيم، جعله الله مثابة للناس وأمنا، وأوجب على نبيه إبراهيم وإسمعيل أن يطهراه للطائفين والعاكفين والركع السجود أي المصلين، وقال في الآية الأخرى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ.

والقائم هنا هو: المقيم وهو: العاكف، والطائف معروف، والركع السجود هم: المصلون. فالله جلت قدرته أمر نبيه إبراهيم وابنه إسماعيل أن يطهرا هذا البيت، وهكذا جميع ولاة الأمور، يجب عليهم ذلك. ولهذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يوم فتح مكة، وأخبر أنه حرم آمن، وأن الله حرمه يوم خلق السماوات والأرض، ولم يحرمه الناس، وقال: لا ينفر صيده ولا يعضد شجره ولا يختلى خلاه ولا يسفك فيه دم ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف ويعني عليه الصلاة والسلام بهذا: حرمة هذا البيت. فيجب على المسلمين، وعلى ولاة الأمور، كما وجب على إبراهيم وإسماعيل والأنبياء وعلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يحترموه ويعظموه، وأن يحذروا ما حرم الله فيه من إيذاء المسلمين، والظلم لهم، والتعدي عليهم حجاجا أو عمارا أو غيرهم.

فالعاكف: المقيم، والطائف معروف، والركع السجود هم: المصلون. فالواجب تطهير هذا البيت للمقيمين فيه، والمتعبدين فيه، وإذا وجب على الناس أن يحترموه، وأن يدفعوا عنه الأذى فالواجب عليهم أيضا أن يطهروا هذا البيت، وأن يحذروا معاصي الله فيه، وأن يتقا غضبه وعقابه، وأن لا يؤذي بعضهم بعضا، ولا أن يقاتل بعضهم بعضا، فهو بلد آمن محترم يجب على أهله أن يعظموه وأن يحترموه، وأن يحذروا معصية الله فيه، وأن لا يظلم بعضهم بعضا، ولا يؤذي بعضهم بعضا؛ لأن السيئة فيه عظيمة، كما أن الحسنات فيه مضاعفة.

والسيئات عند أهل العلم والتحقيق تضاعف لا من جهة العدد، فإن من جاء بالسيئة فإنما يجزى مثلها، ولكنها مضاعفة بالكيفية. فالسيئة في الحرم ليست مثل السيئة في خارجه، بل هي أعظم وأكبر، حتى قال الله في ذلك: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ومن يرد فيه: أي يهم فيه ويقصد. فضمن يرد معنى يهم ولهذا عداه بالباء، بقوله: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ أي: من يهم فيه بإلحاد بظلم. فإذا كان من هم بالإلحاد وأراده استحق العذاب الأليم، فكيف بمن فعله.

إذا كان من يهم ومن يريد متوعدا بالعذاب الأليم، فالذي يفعل الجريمة، ويتعدى الحدود فيه من باب أولى في استحقاقه العقاب، والعذاب الأليم. ويقول جل وعلا في صدر هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وهذا يبين لنا أنه محرم، وأنه لا فرق فيه بين العاكف وهو المقيم، والباد، وهو: الوارد والوافد إليه من حاج ومعتمر وغيرهما.

وهذا هو أول الآية في قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ وبين جل وعلا عظمة هذا المكان، وأن الله جعله آمنا وجعله حرما، ليس لأحد من المقيمين فيه ولا من الواردين إليه، أن يتعدى حدود الله فيه، أو أن يؤذي الناس فيه. ومن ذلك بعلم أن التعدي على الناس وإيذاءهم في هذا الحرم الآمن بقول أو فعل، من أشد المحرمات المتوعد عليها بالعذاب الأليم، بل من الكبائر.

ولما فتح الله على نبيه مكة عليه الصلاة والسلام، خطب الناس وقال: إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض ولم يحرمه الناس وأن الله جل وعلا لم يحله لي إلا ساعة من نهار وقد عادت حرمته اليوم كحرمته بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب وقال: إنه لا يحل لأحد أن يسفك فيه دما أو يعضد فيه شجرة ولا ينفر صيده ولا يختلى خلاه ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد أي معرف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير