تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [10]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ((خذوا عني مناسككم)).

وأما من توجه إلى مكة ولم يرد حجا ولا عمرة كالتاجر والحطاب والبريد ونحو ذلك فليس عليه إحرام إلا أن يرغب في ذلك؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم لما ذكر المواقيت: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة))، فمفهومه أن من مر على المواقيت ولم يرد حجا ولا عمرة فلا إحرام عليه. وهذا من رحمة الله بعباده وتسهيله عليهم فله الحمد والشكر على ذلك، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة عام الفتح لم يحرم بل دخلها وعلى رأسه المغفر لكونه لم يرد حينذاك حجا ولا عمرة وإنما أراد افتتاحها وإزالة ما فيها من الشرك.

وأما من كان مسكنه دون المواقيت كسكان جدة وأم السلم وبحرة والشرائع وبدر ومستورة وأشباهها فليس عليه أن يذهب إلى شيء من المواقيت الخمسة المتقدمة بل مسكنه هو ميقاته فيحرم منه بما أراد من حج أو عمرة، وإذا كان له مسكن آخر خارج الميقات فهو بالخيار إن شاء أحرم من الميقات وإن شاء أحرم من مسكنه الذي هو أقرب من الميقات إلى مكة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس لما ذكر المواقيت قال: ((ومن كان دون ذلك فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة)) أخرجه البخاري ومسلم.

لكن من أراد العمرة وهو في الحرم فعليه أنه يخرج إلى الحل ويحرم بالعمرة منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبت منه عائشة العمرة أمر أخاها عبد الرحمن أن يخرج بها إلى الحل فتحرم منه فدل ذلك على أن المعتمر لا يحرم بالعمرة من الحرم وإنما يحرم بها من الحل، وهذا الحديث يخص حديث ابن عباس المتقدم، ويدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((حتى أهل مكة يهلون من مكة)) هو الإهلال بالحج لا العمرة، إذ لو كان الإهلال بالعمرة جائزا من الحرم لأذن لعائشة رضي الله عنها في ذلك، ولم يكلفها بالخروج إلى الحل، وهذا أمر واضح وهو قول جمهور العلماء رحمة الله عليهم، وهو أحوط للمؤمن؛ لأن فيه العمل بالحديثين جميعا والله الموفق.

وأما ما يفعله بعض الناس من الإكثار من العمرة بعد الحج من التنعيم أو الجعرانة أو غيرهما وقد سبق أن اعتمر قبل الحج فلا دليل على شرعيته بل الأدلة تدل على أن الأفضل تركه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يعتمروا بعد فراغهم من الحج، وإنما اعتمرت عائشة من التنعيم لكونها لم تعتمر مع الناس حين دخول مكة بسبب الحيض، فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتمر بدلا من عمرتها التي أحرمت بها من الميقات، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك وقد حصلت لها العمرتان، العمرة التي مع حجها وهذه العمرة المفردة، فمن كان مثل عائشة فلا بأس أن يعتمر بعد فراغه من الحج عملا بالأدلة كلها وتوسيعا على المسلمين ولا شك أن اشتغال الحجاج بعمرة أخرى بعد فراغهم من الحج سوى العمرة التي دخلوا بها مكة يشق على الجميع، ويسبب كثرة الزحام والحوادث مع ما فيه من المخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته. والله الموفق.

فصل في حكم من وصل إلى الميقات في غير أشهر الحج

اعلم أن الواصل إلى الميقات له حالان:

إحداهما: أن يصل إليه في غير أشهر الحج كرمضان وشعبان فالسنة في حق هذا أن يحرم بالعمرة فينويها بقلبه، ويتلفظ بلسانه قائلا: "لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك عمرة"، ثم يلبي بتلبية النبي صلى الله عليه وسلم وهي: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك))، ويكثر من هذه التلبية ومن ذكر الله سبحانه حتى يصل إلى البيت، فإذا وصل إلى البيت قطع التلبية وطاف بالبيت سبعة أشواط، وصلى خلف المقام ركعتين، ثم خرج إلى الصفا وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم حلق شعر رأسه أو قصره وبذلك تمت عمرته، وحل له كل شيء حرم عليه بالإحرام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير