أولا: الاغتسال بجميع بدنه، فإنه صلى الله عليه وسلم اغتسل لإحرامه؛ ولأن ذلك أعم وأبلغ في التنظيف وإزالة الرائحة، والاغتسال عند الإحرام مطلوب، حتى من الحائض والنفساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس وهي نفساء أن تغتسل، رواه مسلم، وأمر صلى الله عليه وسلم عائشة أن تغتسل للإحرام بالحج وهي حائض، والحكمة في هذا الاغتسال هي التنظيف وقطع الرائحة الكريهة وتخفيف الحدث من الحائض والنفساء.
ثانيا: يستحب لمن يريد الإحرام التنظيف، بأخذ ما يشرع أخذه من الشعر؛ كشعر الشارب والإبط والعانة؛ مما يحتاج إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذه في إحرامه فلا يتمكن منه، فإن لم يحتج إلى أخذ شيء من ذلك، لم يأخذه؛ لأنه إنما يفعل عند الحاجة، وليس هو من خصائص الإحرام، لكنه مشروع بحسب الحاجة.
ثالثا: يستحب لمن يريد الإحرام أن يتطيب في بدنه بما تيسر من أنواع الطيب، كالمسك، والبخور، وماء الورد، والعود، لقول عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إن شاء المحرم أن يتطيب في بدنه، فهو حسن، ولا يؤمر المحرم قبل الإحرام بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ولم يأمر به الناس ".
رابعا: يستحب للذكر قبل الإحرام أن يتجرد من المخيط، وهو كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه أو على بعضه كالقميص والسراويل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله، ويستبدل الملابس المخيطة بإزار ورداء أبيضين نظيفين، ويجوز بغير الأبيضين مما جرت عادة الرجال بلبسه.
والحكمة في ذلك أنه يبتعد عن الترفه، ويتصف بصفة الخاشع الذليل، وليتذكر بذلك أنه محرم في كل وقت، فيتجنب محظورات الإحرام، وليتذكر الموت، ولباس الأكفان، ويتذكر البعث والنشور ... إلى غير ذلك من الحكم.
والتجرد عن المخيط قبل نية الإحرام سنة، أما بعد نية الإحرام، فهو واجب.
ولو نوى الإحرام وعليه ثيابه المخيطة، صح إحرامه، ووجب عليه نزع المخيط.
فإذا أتم هذه الأعمال، فقد تهيأ للإحرام، وليس فعل هذه الأمور إحراما كما يظن كثير من العوام؛ لأن الإحرام هو نية الدخول والشروع في النسك، فلا يصير محرما بمجرد التجرد من المخيط ولبس ملابس الإحرام من غير نية الدخول في النسك، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات.
أما الصلاة قبل الإحرام؛ فالأصح أنه ليس للإحرام، صلاة تخصه، لكن إن صادف وقت فريضة، أحرم بعدها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أهلّ دبر الصلاة، وعن أنس أنه صلى الظهر ثم ركب راحلته.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: " ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى للإحرام ركعتين غير فرض الظهر ".
وهنا تنبيه لا بد منه، وهو أن كثيرا من الحجاج يظنون أنه لا بد أن يكون الإحرام من المسجد المبني في الميقات، فتجدهم يهرعون إليه رجالا ونساء، ويزدحمون فيه، وربما يخلعون ثيابهم ويلبسون ثياب الإحرام فيه، وهذا لا أصل له، والمطلوب من المسلم أن يحرم من الميقات، في أي بقعة منه، لا في محل معين، بل يحرم حيث تيسر له، وما هو أرفق به وبمن معه، وفيما هو أستر له وأبعد عن مزاحمة الناس، وهذه المساجد التي في المواقيت لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم تبن لأجل الإحرام منها، وإنما بنيت لإقامة الصلاة فيها ممن هو ساكن حولها، هذا ما أردنا التنبيه عليه، والله الموفق.
ويخير أن يحرم بما شاء من الأنساك الثلاثة، وهي: التمتع، والقران، والإفراد:
فـ (التمتع): أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج، ويفرغ منها، ثم يحرم بالحج في عامه.
و (الإفراد): أن يحرم بالحج فقط من الميقات، ويبقى على إحرامه حتى يؤدى أعمال الحج.
- و (القران): أن يحرم بالعمرة والحج معا، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل شروعه في طوافها، فينوي العمرة والحج من الميقات أو قبل الشروع في طواف العمرة، ويطوف لهما ويسعى.
وعلى المتمتع والقارن فدية إن لم يكن من حاضري المسجد الحرام. وأفضل هذه الأنساك الثلاثة التمتع، لأدلة كثيرة.
¥