تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يحضروا- منافع لهم، والمراد بحضورهم المنافع حصرها لهم.

وقوله تعالى في الآية {مَنَافِعَ} هو جمع منفعة، ونكّر المنافع لأنه أراد مختصة بهذا العبادة دينية ودنيوية لا توجد في غيرها من العبادات مجتمعة.

روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ} قال: "منافع في الدنيا ومنافع في الآخرة. فأما منافع الآخرة فرضوان الله عزّ وجل، وأما منافع الدنيا فما يصيبون من لحوم البدن في ذلك والذبائح والتجارات".

وروى عبد الرزاق عن مجاهد رحمه الله في قوله تعالى: {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ}، قال: "التجارة وما أرضى الله من أمر الدنيا والآخرة".

وروى ابن جرير والطبري في تفسيره عن مجاهد رحمه الله: {لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ}، قال: " الأجر في الآخرة والتجارة في الدنيا"، فالمنافع التي يحصلها الحجيج ويجنونها في حجهم لبيت الله الحرام عديدة ومتنوعة؛ منافع دينية من العبادات الفاضلة والطاعات الجليلة التي لا تكون إلا فيه، ومنافع دنيوية من التكسّب وحصول الأرباح الدنيوية، كما قال تعالى في سياق آيات الحج من سورة البقرة: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}.

روى أبو داود وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كانوا يتّقون البيوع والتجارة في الموسم والحج، يقولون: أيام ذكر، فانزل الله {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}.

وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية أنه قال: "لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده".

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ}، أنه ليس على الحاج إثم ولا حرج إذا ابتغى ربحاً بتجارة في أيام الحج، إن كان ذلك لا يشغله عن شيء من أداء مناسكه.

ومن المنافع الدنيوية أيضاً للحجاج، ما يصيبونه من البدن والذبائح كما قال تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}، إلا أنّ ما يحصله الحاج من منافع دينية في حجه لا تقارن بهذه المنافع الدنيوية؛ إذ في الحج من الأجور العظيمة والثواب الجزيل ومغفرة الذنوب، وتكفير السيئات وغيره، ذلك مما لا يحصى من الفوائد الدينية العظيمة التي ينالها الحاج إن كان متقياً لله في حجه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

وأي خير أعظم وأي ربح أجلّ من أن يخرج الحاج من حجه كيوم ولدته أمه بلا إثم ولا خطيئة كما قال الله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى}.

وقد اختار ابن جرير في تفسيره لهذه الآية، بعد أن ذكر أقوال أهل العلم في معناها، أن المراد {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} من أيام منى الثلاثة فنفر في اليوم الثاني، فلا إثم عليه لحط الله ذنوبه إن كان قد اتقى الله في حجه، فاجتنب فيه ما أمره الله باجتنابه وفعل فيه ما أمره الله بفعله، وأطاعه بأدائه على ما كلفه من حدود، ومن تأخر إلى الثالث فلا إثم عليه لتكفير الله ما سلف من آثامه وإجرامه، إن كان اتقى الله في حجه بأدائه بحدوده".

ثم ذكر رحمه الله تظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد»

فهذه النصوص تدل على أن من حج فقضاه بحدوده على ما أمره الله فهو خارج من ذنوبه كما قال جل وعلا: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} أي: اتقى الله في حجه بفعل الأوامر واجتناب النواهي. ولا ريب أن هذه فضيلة عظيمة ومنفعة جليلة تسارع في نيلها النفوس المؤمنة، وتطمع في تحصيلها النفوس الصادقة. فلله، ما أجلّها من فضيلة وأعظمها من منفعة عندما ينقلب الحاج إلى بلده بعد قضائه لحجه وذنبه مغفور، قد خرج من ذنوبه وآثامه طاهراً نقياً كيوم ولدته أمه، ليس عليه ذنب ولا خطيئة إذا كان متقياً ربه في حجه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير