تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن هذه الأيام العشر هي الأيام المعلومات المخصوصة بالتفضيل في محكم الآيات في قوله تعالى: {والفجر وليال عشر} فأقسم الرب بها لشرفها على ما قيل في تفسيرها, والتي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: ((ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام العشر)).

وهذا العمل الصالح الذي يحب الله الإكثار منه خاصة هذه الأيام يشمل الصلاة والصيام والصدقة بالمال وسائر أفعال البر والإحسان, وللصدقة فيها شأن كبير, وأجر كثير لكون الصدقة في هذه الأيام تصادف من الفقير له ولعياله في يوم العيد موضع حاجة, وشدة فاقة لما يتطلبه الفقير من حاجة النفقة والكسوة وسائر المؤونة الضرورية, فهذا من العمل الصالح المتعدي نفعه إلى غيره, ومن العمل الصالح أيضاً الصيام في هذه الأيام, فقد كان السلف يصومون عشر ذي الحجة كلها, وبعضهم يصومون بعضها لأن الأيام أفضل أيام الدنيا من أجل أن فيها يوم عرفة الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه: أفضل أيامكم يوم عرفة, وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي عشية يوم عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة قال: يكفر السنة الماضية والباقية)) [رواه مسلم عن قتادة]. أي يكفر الصغائر, ومثله ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهذا الغفران محمول على غفران الصغائر, أما كبائر الذنوب, كالربا, والزنا, وشرب الخمر, وقتل النفس, وأكل أموال الناس فإنه لا يكفرها الصلاة والصيام ولا الحج, وإنما تكفر بالتوبة النصوح ورد المظالم إلى أهلها.

ويستحب الجهر بالتكبير في عشر ذي الحجة في المساجد, وفي الأسواق والطرق, جهراً لا يؤذي أحداً, وفي البخاري أن عمر وأبا هريرة كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما حتى إن للسوق لضجة بالتكبير, وصفته أن يقول ((الله أكبر, الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)).

الأضحية وحكمها: والأضحية في حق الحي هي سنة ثابتة بالكتاب والسنة, وثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله, وفعل الصحابة, وقد قال بعض العلماء بوجوبها على الغني المقتدر لكونها من شعائر الدين, ومن الطاعة لرب العالمين, فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها بإجماع أئمة المذاهب الأربعة, لأنها من القرابين التي تقرب لرب العالمين، وفيها التشريف لعيد الإسلام وعيد حج بيت الله الحرام, وفي فعلها إظهار لشكر نعمة الغنى حيث جعل من يضحي من الأغنياء والمقتدرين ولم يجعله من الفقراء العاجزين, وهذا يعد من أسمى منازل الرفعة والفضيلة, إذ لا أعلى من طاعة الإنسان لمولاه, ثم التقرب إليه بوسائل رضاه, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسِّم الأضاحي بين أصحابه لتعميم العمل بهذه السنة, وإدخال السرور عليهم بفعلها, وكان يذب أضاحيه بمصلى العيد إشهاراً لشرف هذه الشعيرة, وإظهاراً لمكانها من الشريعة, لتكون أعياد المسلمين عالية على أعياد المشركين وما يقربونه فيها لآلهتهم من القرابين, وقد قال الإمام أحمد: أكره ترك الأضحية لمن قدر عليها. وثبت هذا قول عن الإمام مالك والشافعي أنهما قالا: نكره ترك الأضحية لمن قدر عليها. أما الإمام أبو حنيفة فقد قال بوجوبها على الغني المقتدر مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم العيد فقال في خطبته: ((من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) [رواه أحمد وابن ماجه, وصححه الحاكم]

فالذبح في هذا اليوم يعد من العبادة لرب العالمين, كما أن الذبح للزار, والذبح للجن, والذبح للقبر, يعد من الشرك المبين, فمن الشرك بالله الذبح لغير الله, وفي البخاري عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات, فقال: لعن الله من ذبح لغير الله, لعن الله من لعن والديه, لعن الله من آوى محدثاً, لعن الله من غير منار الأرض, أي: مراسيها.

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي قال ((هي سنة أبيكم إبراهيم)). قالوا: وما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف؟ قال: وبكل شعرة من الصوف حسنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير