تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد تبنى هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ونصره، وهو أن القصر لأجل السفر وليس لأجل النسك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قال: إن من تأمل الأحاديث في حجة الوداع وسياقَها علم علمًا يقينيًّا أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك، ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال بعرفة أو مزدلفة أو بمنى: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة، كما رواه أهل السنن عنه، وقوله ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومنى دليل على الفرق.

إذًا شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن القصر والجمع إنما هو لأجل السفر، وهكذا أيضًا ابن القيم، وهكذا أيضًا هو مذهب المالكية، وإن كان المالكية مذهبهم أن السفرالمبيح للترخص، هو ما كان يوم وليلة وهو في حدود ثمانية كيلو متر تقريبًا لكنهم يستثنون هذه المسألة، وإن لم نقف على قول أو تعليل لهم في كتبهم بأن ذلك لأجل النسك.

ولكن سبق أن قررنا أن القول بأنه لأجل النسك قول ضعيف فيبقى القول بأن من قال من العلماء بأن أهل مكة يقصرون العلة بذلك السفر، كيف يعتبر سفرًا والمسافة ليست كبيرة بين منى وبين مكة، قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- وذكر أنه يوجد بين مكة ومنى، يوجد صحراء فيها أودية وشعاب وجبال، وهكذا بينها وبين عرفات وبين مزدلفة، وهذا يسمى على رأي شيخ الإسلام ابن تيمية يعتبر سفرا.

هذا القول قبل اتصال منى بمكة قول متجه، لكن الآن لما اتصلت منى بمكة هنا تنتفي هذه العلة، معلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، وكما قدمنا اتصلت الآن منى بمكة، وتكاد تصبح حيًّا من أحيائها ولا يمكن أن نعتبر المسافة الآن بين منى ومكة مع هذا الاتصال، لا يمكن اعتبارها سفرًا، ولو تأملت يعني هذا التصور وجدت أن الآن منى اتصلت الآن بحي العزيزية، وهذا الاتصال يجعلنا نقول: إن أهل مكة في هذه الحال ليسلهم أن يترخصوا برخص السفر؛ لأن المسافة ما بين منى ومكة لم تعد سفرًا بعد اتصال منى بمكة، لم تعد هذه المسافة سفرًا.

ومن قال بجواز القصر والجمع، فعلل ذلك بأنه لأجل السفر، ولم تعد هذه المسافة في وقتنا الحاضر تعد سفرًا، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إلى قباء كل سبت، يعني كل أسبوع ويصلي فيه ركعتين في مسجد قباء، والمسافة ما بين مسجده صلى الله عليهوسلم وقباء أطول من المسافة التي بين مكة الآن ومنى، ومع ذلك لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى في قباء لم يكن يقصر الصلاة.

بل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يرى القصر لأهل مكة في منى يقول: إن مدينة النبي صلى الله عليه وسلم كانت بمنزلة القرى المتقاربة، عند كل قوم نخيلهم ومقابرهم ومساجدهم قباء وغير قباء، ولم يكن خروج الخارج إلى قباء سفرًا، ولهذا لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصرون في مثل ذلك، والمنتقل في المدينة من ناحية إلى ناحية ليس بمسافر ولا يقصر الصلاة، هذا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في حال المدينة وعواليها وقراها المحيطة بها، فمن باب أولى منى مع مكة في الوقتالحاضر.

فنقول إذًا إن علة قصر أهل مكة في منى إما أن تكون لأجل النسك وهذا قلنا أنه قول ضعيف، أو لأجل السفر، وهذا قول متجه قبل اتصال منى بمكة، وأما بعد اتصال منى بمكة فلم تعد هذه العلة باقية الآن، انتفت علة السفر والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، ولهذا نقول إن أهل مكة إذا حجوا فإنهم في منى وفي عرفات وفي مزدلفة لا يقصرون ولايجمعون، اللهم إلا إذا كان في ترك الجمع حرج كبير، فيجوز لهم الجمع لأجل هذا الحرج، أما القصر فليس لهم القصر مطلقًا.

ويأخذ حكم أهل مكة المقيمين فيها من غير أهل مكة إقامة طويلة، مثل الجنود الذين يقيمون إقامة طويلة ونحوهم فيأخذون حكم أهل مكة في هذا. وهذه المسألة من المسائل التي يكثر السؤال عنها والحكم فيها كما سمعتم على هذا التفصيل، على أن أكثر أهل العلم وجمهور أهل العلم قبل اتصال منى بمكة يرون أن أهل مكة لا يقصرون، فكيف مع اتصال منى بمكة في الوقت الحاضر، هذا هو حاصل كلام أهل العلم في هذه المسألة.


نقله وجمعه وصححه
أبو أحمد عبد الله المطرفي
[email protected] ([email protected])

ـ[مشعل العياضي]ــــــــ[26 - 10 - 07, 12:43 ص]ـ
جزاك الله خيراً أخي المطرفي على هذا البحث الطيب والمفيد

ـ[أبو أحمد الهذلي]ــــــــ[26 - 10 - 07, 05:51 م]ـ
آمين. ولك مثله.
وأسأل الله أن أكون عند حسن ظنكم بأخيكم.

ـ[أبو محمد الموحد]ــــــــ[27 - 10 - 07, 10:40 ص]ـ
جزاك الله خيراً

ـ[عبدالله يعقوب]ــــــــ[28 - 11 - 07, 07:16 م]ـ
هناك بحث للدكتور عبدالله بن حمد الغطيمل الأستاذ بكلية الشريعة بمكة بعنوان: (أثر اتساع النطاق العمراني بمكة المكرمة في فتوى قصر المكي للصلاة بمنى)

منشور بمجلة البحوث الفقهية المعاصرة ‘ العدد (49) شوال وذو القعدة وذو الحجة عام 1421هـ

من صفحة 222 - 256
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير