قال شيخنا المزني: من قواعد الشريعة أن يستدل بخفة أحد الأمرين المتعارضين على أن الصواب فيه، أو كما قال.
قلتُ: وثبت عن النبي ^ أنه «ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا» ([16] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn16)).
قلتُ: والفرق بينه وبين عمار فيما حكينا عنه من الأخذ بأشد الأمور: أن عمارًا كان مكلفًا محتاطًا لنفسه ودينه، والنبي ^ كان مُشرِّعًا موسِّعًا على الناس لئلا يحرج أمته. وقال: «يَسِّروا ولا تُعَسروا» ([17] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn17)). وقال لبعض أصحابه في سياق الإنكار عليه: «إن فيكم منفرين» ([18] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn18))([19] (http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn19)).
قلت: وقد روي حديث عمار: «أسدهما» بالسين المهملة، من السداد، وعليه فلا دليل فيه للشدة.
وبناء على هذا المقصد رجح العلماء في قضايا الخلاف التيسير على مر الزمان، إذا ظهر أن القول الراجح يؤدي إلى إعنات ومشقة، وعدلوا عن القياس وخصصوا عموم النصوص، فالقاعدة أن «غلبة المشقة مسقطة للأمر»، قال عليه الصلاة والسلام: «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك» ([20] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn20)).
المطلب الثاني:
توظيف اختلاف العلماء لرفع الحرج والمشقة
عن الأمة، وذلك معنى كون الاختلاف رحمة
فقد فسر الشاطبي رحمة الخلاف بقوله: «إن جماعة من السلف الصالح جعلوا اختلاف الأمة في الفروع ضربًا من ضروب الرحمة، وإذا كان من جملة الرحمة، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجًا من قسم أهل الرحمة.
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة: ما رُوي عن القاسم بن محمد قال: «لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله ^ في العمل، لا يعمل العامل بعلم رجل منهم إلا رأى أنه في سَعة» ([21] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn21)).
وعن ضمرة عن رجاء قال: «اجتمع عمر بن عبدالعزيز والقاسم بن محمد، فجعلا يتذاكران الحديث، قال: فجعل عمر يجيءُ بالشيء يخالف فيه القاسم، قال: وجعل القاسم يشق ذلك عليه، حتى تبين فيه، فقال له عمر: لا تفعل، فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم» ([22] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn22)).
وروى ابن وهب عن القاسم أيضًا، قال: «لقد أعجبني قول عمر بن عبدالعزيز: ما أحب أن أصحاب محمد ^ لا يختلفون؛ لأنه لو كان قولًا واحدًا لكان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سنة» ([23] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn23)).
ومعنى هذا: أنهم فتحوا للناس باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق؛ لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة -كما تقدم- فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافهم، وهو نوع من تكليف مالا يطاق، وذلك من أعظم الضيق. فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة، فكيف لا يدخلون في قسم *` tBzMÏm§‘y7•/u‘& [ هود:119]، فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها، والحمد لله» ([24] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=686037#_ftn24)).
قال ابن عابدين في تعليقه على قول صاحب «الدّر المختار»: «وعلم بأن الاختلاف من آثار الرحمة، فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر» -: «وهذا يشير إلى الحديث المشهور على ألسنة الناس، وهو: «اختلاف أمتي رحمة». قال في «المقاصد الحسنة»: رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس ب، بلفظ: قال رسول الله ^: «مهما أوتيتم من كتاب الله؛ فالعمل به لا عذر لأحد في تركه، فإنْ لم يكن في كتاب الله فسنة مني، فإنْ لم تكن سنة مني فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيما أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة». وأورده ابن الحاجب في «المختصر» بلفظ: «اختلاف
¥