تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأجمع العلماء -رحمهم الله- على أنهم من أصناف الزكاة الثمانية الذين يجب دفع الزكاة لهم، فالمؤلفة قلوبهم يدخل فيهم من كان متذبذباً فإذا أعطي المال انشرح صدره فيعطى؛ لأن الناس أقسام، فمنهم من يدخل الإسلام بالرأي والحجة، ومنهم من يدخل بالقوة والسيف، فإذا رأى العزة للإسلام كما وقع لصناديد قريش لما رأوا أن الإسلام قد ظهر أسلموا، ثم اطمأنت قلوبهم بعد ذلك، ومنهم من يدخل بالمال، وكل أعطاه الله حقه، وهنا يرد الإشكال: كيف نعطي المال للناس يسلمون بالمال؟ إذًا إسلامهم للمال وليس لله؟

والجواب أن الإسلام دين حق، وهذا الحق لو تأمله الإنسان تأملا صحيحا انكشف له.

فإن الإسلام دين حق، وهذا الحق يمتنع الإنسان من تأمله بسبب فتن الدنيا، ولكن إذا خلي بينه وبين التأمل والنظر الصحيح أدرك الصواب والحق، ولذلك لما قيل لعمرو بن العاص: لماذا تأخر إسلامك وأنت أنت؟ -يعني في العقل والحجا والرأي-

فقال: إنا كنا تسوسنا رجالنا يعني كبار السن منا، وكنا تبعاً لهم في ذلك، فلما صار الأمر إلينا وتأملنا علمنا أنه الحق، فقد تأتي شواغل أو أمور تمنع من تأمل الحق من عصبية أو غيرها، فإذا كان الإنسان في تردد وأعطي المال أعطي مبتغاه فإنه سرعان ما يحب الإسلام للإسلام لا للمال، فهذا المال يقطع العوارض الدنيوية في حال كفره وضعفه، والمقصود منه تقويته على أن يتأمل الإسلام بحق، ولذلك تجد من ألّف قلبه للإسلام قد يعود أقوى ثباتا وغيرة على الإسلام من كثير من أهله، وهذا عرف في التاريخ وعرف بالاستقراء والتتبع، فمن الناس من يدخل الإسلام طواعية، ومنهم من يدخله تأملا ونظرا، ومنهم من يدخله بالمال رغبة، وكل له مثال في عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فثمامة بن أثال سيد بني حنيفة سيد من سادات بني حنيفة لما أخذته خيل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأتي به إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو سيد في قومه، قد كان بالإمكان أن يهدده، وقد كان بالإمكان أن يتوعده، وقد كان بالإمكان أن يضرب رقبته على الكفر، ومع هذا كله نظر -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- النظرة الصحيحة فعلم أنه رجل على عقل ووعي أن مثله إذا تبين له الحق سرعان ما يقبل، فأمر بربطه في المسجد، فربط في مسجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصار ينظر إلى الصحابة، نظر إلى ذلك الرعيل الذي تربىّ بين يدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، نظر إلى شمائل الإسلام وأخلاق الأعزة الكرام، نظر إلى أخلاق النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وسمته ودله، في غضبه ورضاه، في ليله ونهاره، وصبحه ومسائه، وأخذه وعطائه، وبين أصحابه -صلوات الله وسلامه- وفي صلاته وفي عبادته، نظر إلى جميع هذه الأمور كلها ثلاثة أيام، كل يوم يقف عليه رسول الرحمة -صلوات الله وسلامه عليه- ويقول: ما وراءك يا ثمامة؟ فيقول له: إن تقتل؛ تقتل ذا دم، وإن تعفُ؛ تعفُ عن كريم لا ينسى، فلما كان اليوم الثالث نظر إليه صلوات الله وسلامه عليه النظرة الواعية الصادقة فنظر في وجهه أنه يريد الإسلام وأنه يرغبه. فقال: أطلقوا ثمامة، فلما أطلق رضي الله عنه وأرضاه انصرف إلى حائط عن طواعية وعن اختيار، ولكنها طواعية أخذت بقلبه أشد من أخذ المكره على ما يكره عليه، من قوة محبته في الإسلام، طواعية وهو في عزته وأنفته وكبريائه رئيسا في عشيرته وعزيزا في قومه لم يسلم ذليلا ولا مهانا، فخرج إلى الحائط واغتسل، ثم جاء إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقف إليه ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، والله يا محمد، لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي، ودينك أبغض الأديان إلي، فأصبح وجهك أحب الوجوه إلي، ودينك أحب الأديان إلي، متى؟! لما انكشف له الإسلام حقيقة، لما زال المنافقون والمرجفون والكذابون والغشاشون والنمامون والأفّاكون والمفترون والمشركون والوثنيون الذين لفقوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكذبوا عليه، فأخذوا يلفقون عن الصحابة، ويضعون الحواجز بين الناس وبين دين الله عز وجل، وهكذا كل صاحب فطرة مستقيمة إذا وقف أمام إنسان صاحب حق وصاحب هدى

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير