تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن سار على سبيله ونهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فيقول المصنف رحمه الله: [باب دخول مكة]: دخول مكة حفظت فيه السنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وذلك في حجة الوداع، وفي دخوله -عليه الصلاة والسلام- في عُمَرِه وفي دخوله يوم فتح مكة؛ ولذلك حفظ أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السنة وهديه في ذلك الدخول، ومن هنا اعتنى الأئمة والعلماء -رحمهم الله- ببيان هذه السنن؛ فقد صح عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما دخل مكة بات بذي طوى، ثم إنه عليه الصلاة والسلام اغتسل بعد صلاة الصبح، ثم مضى إلى البيت ودخل المسجد، وهذا يدل على أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى السنة، فإذا دخل في الحج أو العمرة أن يبدأ بالاغتسال، وهذا الاغتسال فيه فوائد عظيمة: لأنه تستجم به الروح، وتقوى به النفس، ولذلك يذهب عن الإنسان الشعث وعناء السفر، ويكون أكمل وأقوى وأقدر على الخشوع وحضور القلب، ومن عناية الصحابة -رضي الله عنهم- بالسنة عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنهم راقبوه في جميع شؤونه، فحفظوا دخوله حتى حفظوا الصفة التي دخل بها، وحفظوا المكان الذي دخل منه -بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه- كل هذا حرصا على حفظ هذه السنة والهدي للأمة.

يقول المصنف رحمه الله: [باب دخول مكة]: أي في هذا الموضع سأذكر لك جملة من السنن والآداب التي ينبغي للمسلم أن يراعيها ويحافظ عليها عند دخوله لمكة، وكيف كان دخول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فيسن ويشرع الائتساء والاقتداء به.

قال رحمه الله: [يستحب أن يدخل مكة من أعلاها]: يستحب أن يدخل مكة من أعلاها: مكة فيها العالية وفيها السافلة، وأعلاها من جهة قبور المعلاة، من جهة المُحَصّب والبطحاء وأسفلها من جهة الحفائر، وهي الجهة الجنوبية إلى الغرب، وأعلاها الجهة الشمالية إلى الشرق فالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حينما دخل مكة ما دخلها إلا من أعلاها، واختلف العلماء -رحمهم الله- في هذا الدخول بعد ثبوت السنة به، دخلها يوم الفتح من أعلاها، ودخلها عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وفي عُمَرِه كلها من أعلاها، فاختلفوا في هذا الدخول: هل هو مقصود أو غير مقصود؟

قال بعض العلماء: دخلها عليه الصلاة والسلام من أعلاها نكاية بالمشركين، وتصديقا لحسان بن ثابت وذلك حينما قال:

عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كَداء

وكداء هي الثنية العليا من جهة القبور. فقال حسان قبل فتح مكة هذا البيت، فصدقه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وقال: ((لا تدخلوا مكة إلا من الثنية حيث قال حسان)) لكي يصدق من نصر الإسلام بقوله فلا يكذبه ولا يخذله، وهذه هي سنته عليه الصلاة والسلام وهديه حتى مع غير المسلم، حتى إنه عليه الصلاة والسلام لما ذهب إلى الطائف وأراد دخول مكة بعد أن أوذي صلوات الله وسلامه عليه منعته قريش من البيت، فدخل في جوار المطعم، وحمل المطعم أبناؤه السلاح وأدخلوا النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ذمتهم وجوارهم، فلما كان يوم بدر وأخذ أسرى بدر، شفع الناس فامتنع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من قبول الشفاعة، وضرب رقاب صناديد قريش، حتى إن عقبة بن أبي معيط حاول أن يستلطف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فما كان منه إلا أن قتله، حتى قال له: ما للصبية من بعدي؟ قال: لك النار، ثم أمر بضرب عنقه، ففي هذه الموقف مع شدته يقول للمطعم: لو كان الشيخ حيا يعني أباك فسألنيهم لوهبتهم له؛ لأنه نصر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأدخله في جواره. فقال: ((لا تدخلوها إلا من الثنية العليا)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير