الوجه الثاني: أن الثنية العليا فيها السوق؛ ولذلك تعتبر وجه البلد، والناس الشرفاء والفضلاء ودخول العزة والكرامة الذي لا ريبة فيه يكون الدخول من الأبواب لا من الظهور، وأبواب المدن أسواقها؛ ولذلك دخل عليه الصلاة والسلام من أعلاها؛ لأن في الأعلى السوق، قالوا فراعى هذا المعنى ولم يدخل من أسفلها.
الوجه الثالث: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل من جهة المعلاة؛ لأنها جهة باب البيت، والملوك تؤتى بيوتهم من أبوابها، وهذا بيت الله عز وجل بيت ملك الملوك، فيؤتى البيت من بابه، وهذا أشار إليه شيخ الإسلام -رحمه الله- واختاره بعض شراح الحديث أن هذه الجهة فيها باب البيت ولذلك فضلها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وكان دخوله حتى من باب بني شيبة مراعاة لهذا المعنى، وقرره الشيخ -رحمه الله- شيخ الإسلام في الشرح أن هذا الدخول مقصود، وأن هذا الخروج مقصود، أي أنه كان يدخل من الثنية العليا قصدا ويخرج قصدا لا اتفاقا ولا تيسيرا ولا لسهولة الدخول. قال رحمه الله لأنه لما أراد غزو الطائف والخروج إلى حنين خرج من الثنية السفلى مع أن الأرفق والأخف بالبيت وبه -صلوات الله وسلامه عليه- أن يخرج من الثنية العليا؛ لأنه بجهة المشرق، فكونه -عليه الصلاة والسلام- تقصد الخروج مع سهولة الخروج من المعلاة دل على أنه مقصود.
وقال بعض العلماء: إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يقصد ذلك وإنما أراد تكثير الثواب باختلاف طريق الدخول وطريق الخروج.
والأصح أنه دخول مقصود.
هذه الثنية مشرفة على القبور، والآن طريقها لمن جاء من جهة المدينة إذا دخل مع شارع التنعيم يدخل على أسواق العتيبية، وينحرف شمالا إلى جهة المشرق، وإذا دخل في آخر أسواق العتيبية وانصب على قبور المعلاة فهو مدخل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهي الثنية العليا.
ثبتت هذه السنة في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل مكة من كداء، وخرج منها من كدى.
وكذلك عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنه دخل من الثنية العليا وخرج من الثنية السفلى صلوات الله وسلامه عليه.
قال رحمه الله: [ويدخل المسجد من باب بني شيبة]: ويدخل مسجد مكة من باب بني شيبة؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صحت عنه الرواية أنه دخل من باب بني شيبة؛ ولذلك استحب العلماء التأسي به -عليه الصلاة والسلام- في الدخول من هذا الباب، وهذا الباب من جهة الصفا في الجهة الشرقية أقرب إلى الصفا، والغالب أنه إذا دخل منه استقبل الجهة الشرقية.
قال رحمه الله: [لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دخل منه]: هذا بيان للحكم ودليله.
قال رحمه الله: [فإذا رأى البيت رفع يديه وكبر الله وحمده ودعا]: هذا الدخول من باب بني شيبة على السنة، فإن تيسر فالحمد لله، وهكذا بالنسبة للدخول من الثنية العليا إن تيسر فالحمد لله، أما إذا لم يتيسر فإنه يدخل من أي موضع، والأفضل له أن يتحرى السنة حتى يكون ذلك أكمل في الهدي، وسببا في الرحمة.
قال رحمه الله: [فإذا رأى البيت رفع يديه]: فإذا رأى البيت رفع يديه: إذا دخل المسجد فالسنة المحفوظة أن يقول دعاء الدخول عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو في مسجد الكعبة وغيره للداخل أول مرة وغيره؛ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جعله سنة فيقول: بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله اللهم افتح لي أبواب رحمتك، أو يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في الوارد، وهذه هي السنة في الدخول في كل مسجد ويشمل ذلك المسجد الحرام إلا أن بعض السلف -رحمهم الله- اختاروا للدخول إلى مسجد مكة الدعاء الذي سيشير إليه المصنف -رحمه الله-.
قال رحمه الله: [وكبر الله]: وكبر الله: التكبير عند الدخول الحقيقة ليس فيه نص صحيح وكذلك التكبير عند رؤية البيت، والسنة أن يقول الوارد المحفوظ عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
¥