تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالشاهد من هذا أن هذا الموقف موقف الدعاء يتركه الإنسان، ويأخذ برخص الفقهاء، ويتسامح في أمر حجه وعبادته، ولربما جاء من مئات الكيلو المترات بل من آلاف الكيلو المترات وقد تحمل المشاق العظيمة وقد تحمل الأهوال والشدائد، ولا يستطيع أن يصبر الساعة والسويعة حتى يحصل هذا المقام الشريف المنيف لكي يقف بين يدي الله في صبيحة ذلك اليوم المبارك يوم النحر لكي يسأل الله من فضله، هذا لاشك أنه من الحرمان -نسأل الله السلامة والعافية-.

هذا موقف عظيم، المشعر موقف عظيم، وأدركنا العلماء والأجلاء يبكون ويتضرعون ويخشعون لله عز وجل، وأثر عن بعض أهل العلم أنه قال: وقفت في هذا الموقف ستين عاما أسأل الله أن لا يجعله آخر العهد ويكون كذلك - يعني أن الله يرده مرة ثانية - وإني لأستحي أن أسأله فرجع فمات من عامه، حتى قال بعض العلماء: إنه من الأماكن التي يرجى فيها إجابة الدعاء، ولذلك أمر الله عز وجل بذكره في المشعر الحرام، ومزدلفة كلها مشعر، وأفضل ما يكون الموقف عند المشعر عند جبل قُزَح الذي هو عند نهاية مزدلفة من جهة حدود الحرم من جهة عرفات، الجبل الصغير، ولا زال الآن قبلية المسجد هو الأفضل والأكمل أن يقف عنده بحذاء المسجد الأفضل والأكمل أن يقف عنده بغلس.

السنة من الإمام أن يغلس فيصلي فجر يوم النحر بغلس، فغلس عليه الصلاة والسلام وخالف المشركين، فصلى الصلاة بغلس ثم وقف وتضرع وسأل الله عز وجل حتى أسفر، ثم لما أسفر بادر عليه الصلاة والسلام بالركوب، وكانت العرب والمشركون كانوا يقولون: أشرق ثبير كيما نغير، وكانوا لا يخرجون من مزدلفة إلا بعد طلوع الشمس، ويمتنعون من الخروج منها، فيقولون: أشرق ثبير. وثبير هو الجبل المطل على منى ومزدلفة، فيقولون: أشرق ثبير كيما نغير حتى يؤخرون الدفع إلى حصول الإشراق، فخالفهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ودفع قبل طلوع الشمس.

قال رحمه الله: [ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو]: ويقف عند المشعر الحرام إن تيسر له ذلك؛ تأسيا بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وإن لم يتيسر له فمزدلفة كلها موقف، فيقف في خيمته، ويقف في أي موضع نزل في مزدلفة مادام أنه داخل الحدود، ومزدلفة من طرف الأخشبين عند مصب الوادي عند جبل قُزَح إلى وادي محسر، وداي محسر طرفه من جبل ذي مَراخ.

وادي محسّر بين جبلين الذي هو دقم الوبر وذي مراخ الذي يقال له المريخات هذا هو نهاية مزدلفة، ولا يعتبر الوادي من مزدلفة، ومن بات بالوادي فليس بمزدلفة، ويعتبر وادي محسر الذي حسره الله فيه الفيل عن مكة بين منى وبين مزدلفة فهو نهاية مزدلفة من جهة الوادي ضفة الوادي من جهة مزدلفة وهي الضفة الشرقية وضفة الوادي الغربية هي نهاية منى، والوادي نفسه ليس من منى ولا من مزدلفة.

ودقم الوبر هو الأيمن منهما عند الإفاضة ومعروف، وكان مساكن الأشراف. ذكروا عن بعض العلماء رحمهم الله -نحن نُروِّح في بعض مجالس العلم-: جاءه بعض الأشراف فقال له: نريد منك أن تعقد لنا عقدا، هذا قريب من بعض المشايخ -رحمة الله عليهم- فقال: طلبوني من بعد العشاء ثم أخذوه وخرجوا به بعد صلاة العشاء من المسجد الحرام، قال: فمشينا أكثر من ساعة، وأنا أقول لهم: أين المكان؟ فيقولون: رمية حجر، كلما قال؛ قالوا: رمية حجر، قال: فمشيت حتى قاربت منتصف الليل فسمعت صوت المدافع والبنادق، فأصابني الرعب فإذا بي على الزواج، فأكرموه وكانت ليلة يقول فيها:

فيا ليلةً ما أشد عناءها ... تلقينا الكرب فيها من رمية الحجر (1)

إلى أن يقول:

رعى الله سكان البوادي بفضله ... لاسيما الأشراف في دقم الوبر

فدقم الوبر بحذاء مزدلفة معروف وهو نهاية الحد. فإذا وقف من أي موضع من مزدلفة صح موقفه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير