تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أوصي طالب العلم في بداية دراسته وطلبه للعلم أن يبدأ أول ما يبدأ بحق الله سبحانه وتعالى، ومن أدى حق الله على الوجه الذي يرضي الله أحبه الله، ومن أحبه وفقه وسدده، ومن وفقه الله وسدده يسر له سبيل القبول، وإذا يسر له سبيل القبول فقد أفلح ونجح وفاز فوزا عظيما - جعلنا الله وإياكم بمنه وكرمه كذلك-.

فأوصي بتقوى الله عز وجل وأداء حق الله في العلم: وأول حق لله عز وجل الإخلاص لوجهه، فمن يقرأ القرآن ويقرأ أحاديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومن يقرأ في العلوم الشرعية عليه أن يعلم أنها يبتغى بها وجه الله ولا يبتغى بها شيء سواه، وأن من طلب علما مما يراد به وجه الله لينال بها عرضا من الدنيا لم يرح رائحة الجنة، وأن طالب العلم إذا طلب العلم لوجه الله ووقف بين يدي الله -جل في علاه- في آخرته وسأله الله عن قوله وعمله وكان مخلصا لوجهه نجاه الله بفضله وكرمه، فإذا قال: طلبت العلم لوجهك، وتعلمت لوجهك، وابتغيت ما عندك. قال الله: صدقت. وقالت الملائكة: صدقت. وعندها يقول الله: اذهبوا به إلى الجنة - فنسأل الله بعزته وجلاله أن يجعلنا من الصادقين-.

الأمر الثاني أن هذه الوصية يستصحبها في جميع أموره، ومن الليلة من الساعة هذه لا يكتب في العلم حرفا ولا يسمع حرفا فضلا عن كلمة عن عبارة إلا وهو يريد وجه الله، وليعلم علم اليقين أنه ليس له من هذا العلم ولو تبحّر فيه فأصاب منه ما أصاب ليس له منه إلا ما أراد به وجه ربه، وأن الله سيحاسبه في ذلك، ولم يخرج من بيته إلى كليته إلى ثانويته إلى دراسته إلا وهو يريد ما عند الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني من حق الله U من تقواه: أن يحرص كل الحرص على أن يتعلم ليعمل، وأن يجعل هذا العلم في قوله وعمله وظاهره وباطنه وسره وعلانيته حتى يزكيه الله بالعلم فيهتدي، فإذا اهتدى في نفسه جعله الله هاديا مهديا؛ قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}. فجعلهم أئمة هداة لما اهتدوا في أنفسهم، فبدأ الله أول ما بدأ: آمنوا وعملوا الصالحات فهذه هداية في النفس، ثم قال وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. يبدأ بنفسه ويبدأ بداية صادقة حينما يحس أنه ناقص يرجو الكمال من الله أن يكمل الله نقصه، وأنه مكسور وأن الله يجبر كسره. يبدأ بنفسه فيحاسبها في القول والعمل والظاهر والباطن، ألا وإن من أعظم ما يصلح الإنسان من نفسه قلبه، فلا يصلح في هذا العلم إلا من زكى الله قلبه، زكاه بسلامة الصدر، وحب الخير للمسلمين، ولن يكون طالب العلم كما ينبغي أن يكون طالب العلم إلا إذا نقى قلبه من: الحسد، والشحناء، والبغضاء، واحتقار الناس، وانتقاصهم، وسوء الظن بهم، والتهم، ونحو ذلك من جرائم القلوب، بل من أسقامها وأمراضها، فلن يفلح طالب علم مريض القلب، ولن ينجح طالب العلم حقود أو حسود أو يحتقر الناس أو ينتقصهم أو فيه كبر أو عجب ظن أنه قد أخذ مقاليد الجنة يدخل فيها من يشاء ويخرج منها من يشاء.

ظن أنه مسلط على عباد الله بعلمه بمجرد أن يتعلم الكلمة أو الكلمتين وكأن الناس أسفل منه، فيحتقرهم وينتقصهم، ولا يستشعر الرحمة التي بعث بها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فيكون كما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم من التواضع والرفق بالمسلمين، لن يفلح ولن يصيب الكمال في هذا العلم إلا إذا زكى الله سريرته.

وانظر رحمك الله إلى طالب علم أو عالم أو داعية ربى الناس على أن يخافوا الله في إخوانهم المسلمين، فيبدأ بصلاح قلوبهم كيف يخرج للناس هاديا مهديا، وكيف يخرّج للناس أمناء رحماء يترسمون هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير