فلو فرضنا أن الهلال ولد بعد غروب الشمس من مكة المكرمة الساعة الحادية عشرة مساء بتوقيت المملكة والساعة الثامنة مساء بتوقيت جرينتش فعلى حساب الأستاذ العجيري ومن اخذ بهذا الاصطلاح تكون هذه الليلة هي ليلة أول يوم من الشهر , وعلى حساب تقويم أم القرى تكون هذه الليلة هي ليلة آخر يوم من الشهر. ولاشك أن حساب تقويم أم القرى هو المتفق مع المقتضى الشرعي لأن العبرة في دخول الشهر وخروجه بغروب الشمس آخر الشهر قبل غروب القمر , فإن غربت الشمس قبل غروب القمر كانت الليلة ليلة أول يوم من الشهر , وإن غرب القمر قبل الشمس كانت الليلة آخر الشهر ولا عبرة بولادة الهلال بعد غروب الشمس سواءً أكان ذلك أول الليلة أو آخرها. وهذا هو المقتضى الشرعي المستند على قوله صلى الله عليه وسلم: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((إنما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه)) أخرجه مسلم (1080).
والحمد لله الذي هدانا لهذا فقد صار للجهة المختصة عندنا في إثبات دخول شهر رمضان وخروجه مزيد من التأني والتحري، والاستئناس بتقويم أم القرى في مدى الأخذ بشهادة شهود يشهدون برؤية الهلال قبل ولادته. وهذه مرحلة أولى من الجهة المختصة في الأخذ بمقتضى ولادة الهلال. ونأمل أن تتلوها مرحلة الاعتراف بولادة الهلال حتى ننفي عنا وعن بلادنا وعن ولاة أمورنا سمعة القيل والقال والهمز واللمز.
الوقفة الثامنة:
مع مدعي رؤية الهلال قبل ولادته.
يمكن تعليل رؤية الهلال قبل ولادته ممن يدعيها بما يلي:
(1) يحتمل أن يكون المرئي نجما أو كوكباً قريباً من الشمس في حجم نقطة تُظن هلالاً. وأذكر أن أخوين من جماعتي من أسرة الهدلق تقدما إلى قاضي البلد بدعوى رؤية هلال شوال، وحينما ناقشهما القاضي عن الهلال وصفته قال: لعلكما رأيتما نجمةً؟ فقالا: نعم لعلها نجمة، فسميت نجمة الهدلق.
(2) يحتمل أن تكون الرؤية لطائرة أو مركبة فضائية أو قمرٍ صناعي أرى جسم في الفضاء قريب أو بعيد من ذلك ما روي عن إياس بن معاوية وقصته مع أنس بن مالك.
(3) يحتمل أن تكون حالة جوية كعاصفة أو سحابة أو سراب.
(4) يحتمل أن تكون حالة نفسية حيث إن المتحري يُخَيَّل إليه شيء فيعتقده حقيقة.
(5) يحتمل الكذب في ذلك وهذا أبعد الاحتمالات إلا أنه قد يقع.
وهناك احتمال آخر يتعلق بحالةٍ للهلال في شهر واحد من شهور العام حيث يُرى الهلال قبل ولادته إلا أن هذه الرؤية ليست رؤية حقيقية للهلال وإنما هي رؤية لانعكاسه في الأفق خلف الشمس والحال أنه أمام الشمس لم يولد بعدُ وهذه الحال قد يظن بها مخالفة للقول بأن ولادة الهلال قطعية.
وبتفسير هذه الحالة يظهر الرد على القول بالمخالفة وتأكيد القول بقطعية الولادة وعليه فتفسير هذه الحال ما يلي:
من المعلوم للجميع بالمشاهدة أن الهلال يكون ناقص الاستدارة ومقوساً حتى ليلة تمام القمر يوم خمسة عشر وفي ليالي هذه الأيام أي في النصف الأول من الشهر يكون نقص الاستدارة – فتحة القوس - من الشرق ويكون التقويس من الغرب وذلك بهذا الشكل:
وفي النصف الثاني من الشهر ينعكس الأمر فتكون فتحة التقويس إلى الغرب ويكون التقويس إلى الشرق وذلك بهذا الشكل:
ويمكن استخدام هذه الظاهرة الكونية في معرفة الغرب والشرق إذا كان الإنسان في البر في الليل واختلف عليه تعيين القبلة للصلاة. فبمعرفته الجهة يستطيع معرفة القبلة.
فمتى وجدت حالة رؤية الهلال قبل ولادته فهذه حالة انعكاس أفقي للهلال وهو متقدم على الشمس ولهذا سيكون وضع الهلال بالنسبة للتقويس وفتحة التقويس هو وضعه في النصف الأخير من الشهر ويكون بهذا الشكل:
ولو لم يكن هذا الهلال انعكاساً لوضعه قبل ولادته وكانت رؤيته حقيقية لا انعكاساً لكان شكله هكذا:
وتعليل هذه الظاهرة أن تقويس القمر دائما يكون إلى قربه من الشمس سواءً أكان أول الشهر أو آخره، ولو وجدت مناقشة لمدعي الرؤية ومنها أين قرنا الهلال؟ هل هما إلى الشرق أم إلى الغرب؟ لظهرت حقيقة هذه الرؤية هل هي انعكاس أو حقيقة؟ فإن كان قرناه إلى الشرق فهي رؤية حقيقية، وإن كان قرناه إلى الغرب فهي رؤية انعكاسية.
¥