تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

* ثانيا: أنه بالنظر إلى سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم-، وسيرة أصحابه وسيرة علماء الإسلام الموثوق بعلمهم وفضلهم لم نر أحداً منهم انقطع عن أعماله وقصر نفسه على معالجة المرضى بالرُّقى، واتخذها حرفة، واشتهر بها بين الناس، بحيث إذا ذُكر اسمه اقترن بهذه الحرفة، ولا شك أن الناس في كل زمان تكثر فيهم الأمراض، ولم نر أحداً من خلفاء المسلمين نصب قارئا يقرأ على نفسه من كتاب الله، وإن قابله عالم ذو فضل وديانة وطلب منه الرقية وقرأ عليه فلا حرج، ومن المعلوم أن المشروع بأصله قد يُمنع إذا صاحبته كيفية مستحدثة. فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه مرَّ بامرأة معها تسبيح تُسبِّح به فقطعه وألقاه، ثم مر برجل يسبح بحصى فضربه برجله، ثم قال: لقد جئتم ببدعة ظلماً، أو لقد غلبتم أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- علماً (6). ولو كان الانقطاع لمعالجة المرضى بالرُّقى واتخاذها حرفة والاشتهار بها بين الناس خيراً لسُبقنا إليه، ولا يظن أحد أن المرضى في هذا الزمان أكثر منهم في الأزمان الأخرى، ولأجل ذلك لم يتكاثروا على الخلفاء، ولا على الأئمة الأربعة كتكاثرهم على مَن اشتُهر بالقراءة في هذه الأزمان، وإنما الذي يجلب الشهرة للقاريء هو تخصيص مكان لهم واستقبالهم فيه متى ما أرادوا وتخصيص مواعيد معينة مثل ما يصنع الطبيب وصاحب المتجر وصاحب المصنع، وفي ظني أن شيخ الإسلام ابن تيمية لو فتح دكانا للقراءة على المرضى واستقبلهم متى ما أرادوا لما استطاع أن يكتب سوادء في بيضاء لاسيما في زمن الجهل وتفشِّي الأمية والخرافات، والتعلق بالمشائخ وأصحاب الطرق، وما ترك علماء أهل السنة هذا الأمر إلا من فقههم - رحمهم الله رحمة واسعة -.

* ثالثا: إن الشياطين عندما ترى تعلُّق الناس بشخص ما قد تساعده وهو لا يشعر، فتعلن خوفها منه وخروجها من المريض ونحو ذلك، لتزداد ثقة الناس بالشخص أكثر من ثقتهم بما يتلوه، وليعتقدوا أن فيه سراً معيَّنا. فقد قال عبد الله بن مسعود لزوجته عندما قالت له: كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها، وكان إذا رقاها سكنت. قال: إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقيتها كف عنها .. الحديث (7).

ومكر الشياطين بالناس مكر كبير لا يدركه إلا أصحاب الفقه في دين الله، فإن الناس إنما يتزاحمون على القاريء ويضربون له أكباد المطي، إذا سمعوا ما يُنشر عنه من الحكايات الغريبة، وكيف أن أكثر المصروعين تكلمت الشياطين على ألسنتهم أمام القاريء وتعهد عليها الشيخ بعدم العودة إلى ذلك المصروع!! فإذا كثرت هذه الأخبار كثرة كبيرة حفزت كل مريض لرؤية هذا الشيخ، للتأكد من أنه ليس فيه جني، وهذه الحال بهذه الكثرة لو كانت من الكرامات فينبغي للقاريء أن يخاف من عاقبتها. فكيف إذا كان لا يضمن أن يكون الأمر استدراجاً واحتيالاً من الشياطين، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية: ولما كانت الخوارق كثيرا ما تنقص بها درجة الرجل، كان كثير من الصالحين يتوب من مثل ذلك، ويستغفر الله تعالى، كما يتوب من الذنوب كالزنا والسرقة، وتعرض على بعضهم فيسأل الله زوالها، وكلهم يأمر المريد السالك ألا يقف عندها ولا يجعلها همه، ولا يتبجح بها مع ظنهم أنها كرامات فكيف إذا كانت بالحقيقة من الشياطين تغويهم بها ?، فإني أعرف من تخاطبه النباتات بما فيها من المنافع وإنما يخاطبه الشيطان الذي دخل فيها!، وأعرف من يقصد صيد الطير فتخاطبه العصافير وغيرها، وتقول: خذني حتى يأكلني الفقراء، ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل في الإنس ويخاطبه بذلك (8).

* رابعاً: قد يتوهم القاريء الذي يزدحم الناس على بابه، ويرى كثرة المرضى الذين يعافيهم الله بسبب رقيته، وكيف أن الشياطين تخاف منه، وتخرج من المصروعين، قد يتوهم أنه من الأولياء الأبرار ويصيبه العُجب ونحو ذلك، وقد كان السلف الصالح - رضوان الله عليهم – يخشون من هذا الأمر ويسدون مداخله.

قال ابن عيينة: رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أُبيِّ بن كعب رضي الله عنه جماعة فعلاه بالدّرة (9) فقال أُبيُّ: اعلم ما تصنع - يرحمك الله -، فقال عمر: أما علمتَ أنها فتنة للمتبوع مذلّة للتابع ? (10).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير