وإما أن يراد به التحية، قال بعض العلماء قول الإنسان: السلام عليكم؛ أي سلّمكم الله من الآفات، والشرور، وهي التحية، والسلام من السلامة، وهو إسم من أسماء الله جل وعلا قال تعالى: {المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ}.
وجمع المصنف بين الصلاة على النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - -، والسلام عليه؛ لأنّ ذلك أكمل.
قال بعض العلماء: (أدب الصلاة على النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أن يُجْمَع فيها بين الصلاة، والسلام عليه، عليه أفضل الصلاة والسلام) اهـ.
والدليل على ذلك قوله تعالى: {يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} فجمع له بين الصلاة، والسلام عليه أفضل الصلاة، والتسليم.
قوله رحمه الله: [وعَلى آلهِ، وأصْحابِه] قوله: [وعلى آله]: (الآل) تطلق بمعنيين: آل الرجل بمعني قرابته؛ قالوا: لأن أصل آل أهل، وهو قول سيبويه، وأن الهاء في أهل أبدلت همزة؛ فقيل آل.
وتطلق بمعنى الأنصار، والأعوان، والأتباع، وشيعة الإنسان تقول: آل فلان: بمعنى أتباعه.
وهذا هو المراد بقول العلماء: (وعلى آله) أي: الذين آمنوا به، واتبعوه عليه الصلاة، والسلام، وليس المراد به خصوص قرابته، وهذا هو الصحيح ونصَّ عليه الإمام أحمد-رحمه الله-، وإختاره جمع من العلماء أن المراد بآل النبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - الذين يُصلّى، ويسلم عليهم تبعاً للنبي- - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - أتباعه في كل زمان، ومكان.
قوله رحمه الله: [وأصحابه]: جمع صاحب، وهو من الصُحبة بمعنى الملازمة، والرفقة، وفي الإصطلاح: (كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته، وآمن به)، وخصّهم رحمه الله بالذكر لشرفهم، وحقهم في الإسلام حيث آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وصدّقوه، وإتبعوه، وناصروه، رضي الله عنهم، وأرضاهم أجمعين.
وقوله: [ومَنْ تَعَبّدَ]: من باب عطف الخاص على العام أي: أنه خصّ المتعبّدين أي: الذين هم أكثر عبادة، وصلاحاً أي خصَّ أهل الالتزام، والطاعة الأكثر، وهذا من باب التشريف، والتكريم.
وقوله: [تعبَّد]: تفعّلٌ من العبادة، والتَّفعل زيادة في المبنى تدلّ على زيادة المعنى، والتعبّد: مأخوذ من العبادة، والعبادة مأخوذة من قولهم: طريقٌ مُعَبّدٌ أي: مذلّل؛ لأن أصل العبودية: الذِّلة؛ فإن الإنسان إذا عبد ربه تذلّل له سبحانه.
أما حقيقة العبادة في الاصطلاح فمن أجمع التعاريف لها ما اختاره بعض الأئمة رحمهم الله: [أنها اسم جامع لكلِّ ما يُحبه اللهُ، ويرضاهُ من الأقوال، والأفعال الظاهرة، والباطنة] أي سواء: كانت متعلقة باعتقاد كالإيمان بالله، والخوف منه، والرجاء فيما عنده، فهذه كلها عبادات من أعمال القلوب الباطنة، وكذلك تطلق العبادة على الأقوال الظاهرة التي يحبها الله تعالى، مثل: التَّسبيحِ، والتَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ.
وكذلك تُطلق على الأفعال الظاهرة التي يحبها الله تعالى مثل: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج.
فالعبادة تشمل الإعتقادات، والأقوال، والأفعال؛ لكن بشرط أن تكون مما يحبه الله، ويرضاه، وشرط ما يحبه الله، ويرضاه: أن يكون مشروعاً؛ فلا يُعبد الله إلا بما شرع، ودلَّ على كونه مشروعاً منه سبحانه دليل الكتاب، أو السنة، أو الإجماع قولاً كان، أو فعلاً، أو إعتقاداً.
وقوله رحمه الله: [أما بعد]: كلمة يُؤْتى بها للفصل بين المقدمة، والمضمون، فالكلام إذا خاطب به الإنسان غيره سواء كان مكتوباً، أو مسموعاً جرت عادة العلماء أنهم يصدرونه بالثّناء على الله-جل وعلا-، والصلاة، والسلام على نبيِّه، وآله على السُّنة التي ذكرناها، هذه الكلمات التي يُصدَّر بها الكلام تُوصف بكونها مقدمة، ثم بعد هذه المقدمة يُشرع في المقصود أي الأمر الذي يُرادُ بيانه، وهو الهدف من إلقاء الكلمة، أو كتابة الكتاب، ولابد أن تَفْصِل بينه، وبين المقدمة، ولذلك قال بعض العلماء: إن كلمة (أما بعد): هي فصل الخطاب، قيل: إن أول من تكلم بها داود عليه السلام، وحملوا عليه قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ
¥