وقال الشافعي في (الأم 2/ 117): " وإن كان فيما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنّ السبيل الزاد والراحلة وكانت المرأة تجدهما وكانت مع ثقة من النساء في طريق مأهولة آمنة فهي ممن عليه الحج عندي – والله أعلم – وإن لم يكن معها ذو محرم لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستثن فيما يوجب الحج إلا الزاد والراحلة وإن لم تكن معها حرة مسلمة ثقة من النساء فصاعداً لم تخرج مع رجال لا امرأة معهم ولا محرم لها منهم.
وقد بلغنا عن عائشة وابن عمر وابن الزبير مثل قولنا في أن تسافر المرأة للحج وإن لم يكن معها محرم "
وقال النووي في شرحه على مسلم (9/ 98): " جواز حج المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها وهو مذهبنا "
وهذا القول بعدم وجوب المحرم في الحج رواية عن أحمد – رحمه الله – قال صاحب المغني (5/ 30) " وعنه رواية ثالثة أنّ المحرم ليس بشرط في الحج الواجب.
قال الأثرم: سمعت أحمد يُسأل: هل يكون الرجل محرماً لأمّ امرأته، يخرجها إلى الحج؟
فقال: أما في حجة الفريضة فأرجوا، لأنها تخرج إليها مع النساء ومع كلّ من أمنته وأما في غيرها فلا "
أدلة القول الثاني:
استدل المبيحون لسفر المرأة للحج الواجب بلا محرم بأدلة وهي:
1/ روى الدارقطني بإسناده (سند الدارقطني 2/ 215) عن جابر وبن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وأنس وعائشة –رضي الله عنهم – أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة.
ووجه الدلالة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط المحرم.
2/ روى الترمذي (4084): عن ابن عمر رضي الله عنهما: " ... فقام رجل آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال الزاد والراحلة "
ووجه الدلالة كسابقه.
3/ روى الإمام أحمد عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية: " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " قال رجل يا رسول الله ما السبيل؟ قال: " الزاد والراحلة " ووجه الدلالة كسابقه.
4/ روى البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤمّ البيت لا جوار معها، لا تخاف إلا الله " ووجه الدلالة: خروج الظعينة بلا محرم.
5/ قالوا: ولأنّه سفر واجب، فلم يُشترط له المحرم كالمسلمة إذا تخلصت من أيدي الكفار.
الترجيح والمناقشة:
وبالنظر في أدلة الفريقين، يتضح بجلاء رجحان القول الأول لصحة وصراحة وعموم الأدلة التي استدلوا بها فضلاً عما رواه الشيخان من حديث ابن عباس فإنه نصٌّ في سفر الحج وكذا ما رواه الدارقطني عنه.
وأما الإجابة عن أدلة الفريق الثاني فأقول مستعيناً بالله:
1/ أما الدليل الأول والثاني والثالث [3]
فليس له أدنى إشارة إلى جواز حجّ المرأة بلا محرم وإنما هو لبيان السبيل فحسب مع استلزام الشروط الأخرى لأنّ حكم المسألة الشرعية، يؤخذ عن طريق جمع الأدلة كلها وتأملها.
قال ابن قدامة (5/ 32): " ويحتمل أنّه أراد أنّ الزاد والرحلة يوجب الحج مع كمال بقية الشروط ن ولذلك اشترطوا تخلية الطريق، وإمكان المسير، وقضاء الدين، ونفقة العيال، واشترط مالك إمكان الثبوت على الراحلة وهي غير مذكورة في الحديث واشترط كل واحد منهم في محلّ النزاع شروطاً من عند نفسه لا من كتاب ولا من سُنّة فما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالاشتراط "
وقال ابن المنذر: " تركوا القول بظاهر الحديث، واشترط كل واحد منهم شروطاً، لا لحجة معه عليه " (المغني 5/ 31).
وأما الجواب عن الدليل الرابع:
فيقال: هو وصف الحال، لا يترتب عليه حكم الإباحة، أو الإقرار ومثله أحاديث كثيرة تصف الحال منها:
1/ حديث أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات من جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيقتل من كل فئة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم، لعلّي أكون أنا الذي أنجو)) [مسلم: 2894].
2/ حديث أبي هريرة أيضاً – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قطحان يسوق الناس بعصاه " [البخاري: 3329] [مسلم: .... ]
¥