ملوماً، وعلى هذا فلايجوز الإستدلال بهذا على الرمي قبل دخول وقته.
4 - قول الشيخ عبد الله المنيع حفظه الله: " الترخيص للرعاة والسُّقاة في تقديم رميهم أو تأخيره مبعثه رفع الحرج، ودفع المشقة، والأخذ بالتيسير ... الخ " وأقول ما ذكره الشيخ عفا الله عنَّا وعنه من أنَّ مبعث الترخيص للرعاة والسقاة هو دفعٌ للحرج والمشقة؛ فهذا صحيح؛ لكن كونه أذن لهم في تقديم رمي يومٍ قبل أن يجب؛ هذا القول غير صحيح كما قد بيَّنَّا ذلك فيما سبق، وعلى هذا فالترخيص تيسيرٌ لكنَّه مبنيٌّ على أنَّه لايرمي ذلك اليوم إلاَّ بعد الزوال؛ أمَّا قبل الزوال فقد بيَّنَّا أنَّه لايجوز لقول ابن عمر: ((كنَّا نتحيَّن، فإذا زالت الشمس رمينا)) وقول ابن عمر في رواية الموطأ عن نافعٍ أنَّ ابن عمر رضي الله عنه قال: ((لاتُرمى الجمار في الأيام الثلاثة حتى تزول الشمس)) وقول عبد الله بن عباس في رواية الترمذي: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار إذا زالت الشمس)) هذه الأدلة الواضحة تدل على أنَّ رمي كلَّ يومٍ لايجوز قبل زواله؛ سواءً كان لليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر، فبطل استدلال الشيخ عبد الله المنيع هدانا الله وإياه على جواز التقديم قبل الزوال.
5 - قوله: " الخلاف في حكم الرمي في الليل أقوى من الخلاف في الحكم قبل الزوال " اعترافٌ من الشيخ عبد الله بأنَّ الخلاف في ابتداء وقت الرمي للضرورة، وإن كان ضعيفاً؛ لكنَّه أقوى من الخلاف في الرمي قبل الزوال؛ ولذلك صدر من هيئة كبار العلماء بجواز الرمي في الليل إلى طلوع الفجر، وذلك لرفع الحرج، ودفع المشقة، والأخذ بالتيسير.
وقوله: " مع أنَّ القول بعدم جواز الرمي في الليل قول جمهور أهل العلم؛ ولكنَّ الفتوى تتغيَّر بتغيُّر الأحوال والظروف " وأقول إنَّ الفتوى لاتتغيَّر بتغيُّر الأحوال والظروف إلاَّ إذا كان لها ما يسندها، فقول هيئة كبار العلماء بجواز الرمي إلى طلوع الفجر أملته الضرورة، ولاتمل الضرورة جواز الرمي قبل مجيء وقته؛ بل كلُّ أمور الدنيا تكون خاضعةً للدين، فمن قال: أنَّه على عجل لأنَّ حجزه في مساء اليوم الثاني عشر؛ نقول له يجب أن يتأخر حجزك، وإذا لم يمكنك الرمي في هذا اليوم، فلابدَّ أن تبقى هذه الليلة لتعود إلى بلدك بحجٍّ صحيحٍ وأنت قد أنفقت الأموال، وتجشمت المصاعب، فإنَّه يجب عليك أن تخضع الظروف الدنيوية للدين، ولايجوز لك أن تخلَّ بالدين بأن ترمي قبل الزوال من أجل الأمور الدنيوية.
6 - قال الشيخ عبد الله المنيع: " لانظنُّ وجود منازعٍ ينازع في أنَّ رمي الجمار، وفي عصرنا الحاضر فيه من المشقة، وتعريض النَّفس للهلاك ما الله به عليم، ولايخفى أنَّ الإضطرار يبيح للمسلم تناول المحرم، ودفع هلاك النَّفس غير باغٍ ولاعاد، فالإحتجاج على الجواز بالاضطرار متَّجهٌ؛ بل أنَّ الحاجة الملحة قد تكون سبباً لجواز الممنوع " اهـ؛ وأقول: يا شيخ لقد عالجت هيئة كبار العلماء هذه الضرورة بتمديد وقت الرمي إلى طلوع الفجر من اليوم الثالث عشر، وهذا علاجٌ حاسمٌ، ولم يبق إلاَّ الاستعجال لبعض الناس، ومن العلاج ما عملته الدولة السعودية حفظها الله وأيَّدها من توسعة المرمى، وتهيئته ليكون فيه التسهيل على الحجاج، فلاداعي أن نبيح الرمي قبل الزوال، فما قبل الزوال ليس وقتاً للرمي كمَّا بيَّنَّا بالأدلة على ذلك من أقوال الصحابة، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والإقتداء، ولايجوز أن نشرع شيئاً لم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
7 - قال الشيخ عفا الله عنَّا وعنه: " جاء عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله رواية من الشيخ عبد الله بن عقيل في كتابه الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة في معرض تعليق الشيخ عبد الرحمن بن سعدي على رسالة الشيخ عبد الله بن محمود رحمه الله في حكم جواز الرمي قبل الزوال قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ما نصُّه: ويمكن الإستدلال عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: من سأل عن التقديم والتأخير كأنَّه جوابٌ لمن سأل عن التقديم والتأخير: افعل ولاحرج، وأحسن من هذا الإستدلال بحديث ابن عباس المذكور حيث قال له رجلٌ: رميت بعد ما أمسيت؟ قال: افعل ولاحرج ... إلى آخر ما ذكر ".
وأقول: أولاً: أنَّ قول النبي صلى الله عليه وسلم هذا إنَّما كان جواباً على أسئلة قومٍ قد حصلت منهم المخالفات جهلاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((افعل ولاحرج)) وهذا غاية ما يكون فيه دليلٌ على إسقاط الإثم عن الجاهل؛ إذا فعل ما فعل يحسب أنَّ ذلك جائزٌ، ولم يكن كذلك، فلاينطبق عليه، ولايؤخذ منه القول بجواز الرمي قبل دخول وقته أي قبل الزوال.
ثانياً: سبق أن قرَّرنا أنَّ الوقت الإضطراري يكون في آخر الأوقات؛ أمَّا الإستدلال به على تقديم الرمي قبل وقته؛ فهو استدلالٌ غير صحيح.
ثالثاً: أنَّ في قول الصحابي عبد الله بن عمر: ((كنَّا نتحيَّن حتى إذا زالت الشمس رمينا)) إخبارٌ منه بأنَّ ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولايفعلون ذلك إلاَّ بأمره.
رابعاً: أنَّه لاحجة في أحدٍ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن مع احترامنا للشيخ السعدي رحمه الله، والاعتراف بعلمه، وجلالته، وفضله إلاَّ أنَّا نرى أنَّ الرمي قبل الزوال غير صحيح؛ لأنَّه قبل دخول وقته فيكون كمن صلَّى الصلاة قبل دخول وقتها.
خامساً: أنَّ العلاج قد حصل من هيئة كبا ر العلماء بتمديد وقت الرمي في الليل كله.
سادساً: ومن العلاج ما عملته الدولة السعودية من التوسعة في المرمى الذي يخفف الزحام، ويسهل الرمي، وبالله التوفيق.
وهذا ما رأيت أنَّه يجب بيانه وتوضيحه لمن يخفى عليه هذا الأمر لعلَّ الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها من شاء من عباده، وأسأل الله أن يصلح أحوالنا، وأن يرزقنا المتابعة لما جاء به نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.
كتبها
أحمد بن يحيى بن محمد النَّجمي
5/ 12 / 1426 هـ
¥