تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تلك المواقف، وقلوبهم متباينة في الإجلال والإعظام والانكسار، والذكر للعليم القهار؛ لذلك يوم عرفة يوم مشهود، هذا اليوم يذكر بالموقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك إذا وقف العبد بعرفات، ونظر إلى تلك البريات، ونظر إلى تلك الأصوات والصيحات، فسبحان من علم لغاتها! وسبحان من ميز ألفاظها! وسبحان من قضى حوائجها! لا يخفى عليه صوت، ولا تعجزه حاجة، أحد فرد صمد، لا يعييه سؤال سائل! لذلك أحبتي في الله! النظر في حال يوم عرفة يذكر بالله تبارك وتعالى. كان الناس مع الخليفة سليمان بن عبد الملك ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=68&ftp=alam&id=1000239&spid=68) فجاءت صاعقة وهم وقوف بعرفة، ففزع الناس فزعاً شديداً، وفزع الخليفة سليمان ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=68&ftp=alam&id=1000239&spid=68) رحمه الله فزعاً شديداً من تلك الصاعقة، فقال له عمر ( http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=68&ftp=alam&id=1000005&spid=68) : يا أمير المؤمنين! هذه بين يدي رحمته؛ فكيف بالتي بين يدي عذابه؟! إذا كان هذا والناس وقوف بين يدي الله يرجون رحمته؛ فكيف إذا وقفوا بعرصات يوم القيامة؟! وكما ثبت في الخبر يقول: (لقد غضب الله في هذا اليوم غضباً لم يغضب قبله قط ولم يغضب مثله قط)، وهذا يدل على عظم الموقف بين يدي الله تبارك وتعالى. اللهم سلمنا في ذلك الموقف! اللهم سلمنا فيه بعظمتك يا عظيم! ورحمتك يا رحيم! أحبتي في الله! يوم عرفة وما يوم عرفة! كل من حولك يحرك وجدانه، كل من حولك يحرك إحساسه، إن كان القلب قاسياً فإنه يصير خاشعاً، تسمع هذا يبكي وهذا يشتكي، وهذا يشجي، فتقول: سبحان الله! من لهذه الحاجات سوى الله؟ من لهذه الدعوات غير الله؟ جاءوا إليه من بلاد بعيدة، وقطعوها في أزمنة مديدة، جاءوا بهموم لا يفرجها سواه، وكربات لا ينفسها أحد عداه، جاءوا وكلهم يقين في أنه ليس لحاجتهم أحد غيره؛ وحق لهم ذلك. أحبتي في الله! وما هي إلا لحظات حتى يشاء الله عز وجل للعبد، فينقضي موقفه، وتغيب عليه شمسه، ويأذن الله لأهل ذلك الموقف بالانصراف. وتأتي تلك الساعة العصيبة، والله إنها لمن أمر الساعات في الحج، وأعظم ساعة يتألم الإنسان فيها أثناء الحج، إنها ساعة الانصراف من عرفة، لا يدري هل الله عز وجل قبل دعوته أم لم يقبلها؟! لا يدري هل أجاب الله سؤاله أم لم يجبه؟! لا يدري أمرحوم أم محروم؟! لا يدري أيعطيه أم يحرمه؟! فلذلك يبلغ بالإنسان من الشجن والأسى ما لا يعلمه إلا الله، فهو يقول: أأفيض ربي؟! فهل أنت راضٍ عني، أم لست راضياً عني؟! يناديه بقلب متقطع منفطر، رباه! إن لم ترض عني قبل هذا الموقف فارضَ عني قبل أن أفارق موقفي، يناديه بحسرة، يناديه بقلب متقطع يرجو رحمة الله؛ حتى لا يكون محروماً من عفو الله وفضل الله. أحبتي في الله! تلك ساعة مؤلمة، ساعة تهز وجدان المؤمن، حينما يتذكر أنه ينصرف من ذلك الموقف، ولذلك كان بعض السلف إذا حضرت ساعة النفرة من عرفة والدفع منها يشتد بكاؤه، ويعظم تضرعه إلى الله تبارك وتعالى، وقال بعضهم: والله! لو نادى منادي الله في أهل هذا الموقف: قد غفرت لكم إلا واحداً لعددت نفسي ذلك الرجل. أخي في الله! حتى إذا سرت بين الشعاب وسرت بين تلك الوهاد، فلا إله إلا الله كم يسير عليها عبد غفرت ذنوبه فهو كيوم ولدته أمه! لا إله إلا الله يدفعون من عرفات، دخلوها مثقلين، ليخرجوا منها من الذنوب والخطايا مغسولين! ما أعظمه من موقف، لا إله إلا الله! يسيرون بين تلك الشعاب، يسيرون بين تلك الأودية كيوم ولدتهم أمهاتهم، ما نظر الله إلى سيئات مضت ولا عاملهم بها. فيا لله! كم دعوة كتب لصاحبها سعادة لا يشقى بعدها أبداً! ويا لله! كم دعوة كتب لصاحبها رحمة لا يعذب بعدها أبداً! يسيرون بين تلك الشعاب العزيزة عند الله، بقلوب مليئة بإجلال الله، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، يحسون معناها، ويتلذذون حلاوتها، ويصيبون فضلها وبغيتها.

http://audio.islamweb.net/audio/fasil.gif

الوقفة الأولى: تذكر فراق الدنيا عند وداع الأهل والأحباب

http://audio.islamweb.net/audio/parbotton.gif

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير