تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن هل المبيت واجب يأثم الإنسان بتركه ويلزمه دم بذلك أو ليس بواجب؟ ه?ذا محل خلاف بين أهل العلم:

فمنهم من قال ليس بواجب لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بات بمنى.

وقال للناس: ((خذوا عني مناسككم)).

ثانيا لئلا العباس استأذن من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأذن له، ولو لم يكن واجبا ما احتاج إلى الاستئذان.

ثالثا أنه داخل في عموم قوله تَعَالى?: ?وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ? [البقرة:203]، فإن ذكر الله يكون بالقول ويكون بالفعل وهو المبيت.

ومن العلماء من قال: إنه سنة واستدل لذلك بأنه مراد لغيره، فإن المقصود الأعظم هو رمي الجمرات لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار في إقامة ذكر الله)) ولم يقل: والمبيت بمنى لإقامة ذكر الله؛ ولأن الأصل براءة الذمة وعدم التأثيم بالترك، وأما قول النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: ((خذوا عني مناسككم))، فمن المعلوم أن ه?ذا الحديث ليس على عمومه بالاتفاق، وإلا لوجبت الإشارة إلى الحجر الأسود ووجب الرمل ووجب الاضطباع وغير ذلك من الأشياء التي ليست بواجبة.

وأما استئذان العباس فلا يمتنع أن يستأذنه في ترك المستحب فيقول: ائذن لي وإن كان ليس بواجب.

ولكن الذي يظهر وجوب المبيت بمنى، وأنه لا يجوز للإنسان أن يدع المبيت.

ولكن ما مقدار الواجب منه؟ قال العلماء: مقدار الواجب منه أن يبيت معظم الليل، أن يبيت في منى معظم الليل من وله أوله من آخره، فإذا وصل إلى منى مثلا من مكة وهو في مكة في النهار ووصل إلى منى قبل منتصف الليل بساعة وبقي إلى الفجر يكون أدى الواجب؟ نعم؛ لأنه بقي معظم الليل ولو بقي في منى إلى ما بعد منتصف الليل بساعة مثلا أجزأه؛ لأنه بقي في منى معظم الليل.

إذا قلنا بالوجوب هل يلزمه دم بترك أو بترك الليلة جميعا أو بترك الثلاثة إن تأخر؟ نقول: لا يلزمه دم بترك ليلة إنما يلزمه الدم بترك الليلتين إن تعجل أو الثلاث إن تأخر، أما إن ترك ليلة واحدة فلا يلزمه دم؛ لكن قيل: لا يلزمه شيء لأنه لم يترك الواجب كاملا إذ الواجب المبيت ه?ذه الليالي، فإذا ترك ليلة لم يلزمه الدم لأنه لم يترك الواجب كله، وهو لا يتجزأ، وقيل: يلزمه أن يتصدق بشيء أي شيء يكون مدا من طعام أو قبضة من طعام أو أي شيء، وه?ذا رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، أما أن يلزم بدم مع أن لم يدع الواجب كله فلا وجه له.

إذا قلنا بالوجوب فهل يسقط ه?ذا الواجب عن أحد؟ نقول: إن الإنسان إذا تركه للتشاغل بمصالح الناس مصالح الحجاج فلا أس به؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن للعباس أن يدع المبيت من أجل السقاية، وأذن للرعاة الذين يرعون إبل الحجاج أذن لهم أن يدعوا المبيت أيضا؛ لأنهم يشتغلون بحاجة عامة أيضا، ومثل ذلك في وقتنا الحاضر جنود الأمن أو جنود تسيير الحجاج، ومن ذلك أيضا الأطباء الذين يتلقون المرضى في المستشفيات فإنه يسمح لهم في ترك المبيت كل من يشتغل بمصلحة عامة، يعذر في ترك المبيت قياسا على السقاية وعلى الرعاة أيضا.

فإن كان لمصلحة خاصة مثل أن تضيع بعيره فيخرج من منى يتركها أو يضيع ولده مثلا فيخرج من منى يطلبه، أو يكون مريضا يحتاج إلى أن ينقل إلى المسنتشفى خارج منى، فهل يُلحق بهـ?ذا أو لا يلحق؟

قال بعض العلماء: إنه يلحق؛ لأن ه?ذا عذره عام وه?ذا عذره خاص وقد تكون الضرورة في العذر الخاص أشد.

وقال بعض العلماء: لا يلحق؛ وذلك لأن من يشتغل بالمصلحة العامة لا يشتغل بالواقع لنفسه إنما يشتغل لغيره، ولهذا يرخص للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يدع صلاة الجماعة ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يرخص الإنسان على وجه الإنفراد إلا بعذر عام يبيح ترك الجماعة.

ولكن الذي يظهر أنّ الشارع يخفف في ه?ذا الواجب؛ لأنه ما دام أذن للرعاة والغالب أن الراعي يشتغل بأجرة فيكون لمصلحته، فالظاهر أن الشارع يرخص في ه?ذا الشيء ويرخص فيه، فإن كان للإنسان عذر خاص من مرض أو غيره فإنه يعذر في ترك المبيت ولا شيء عليه.

ه?ذا الذي نزل للطواف وصار زحام إلى منى بعد منتصف الليل إن كان لعذر فلا بأس يسقط عنه، إن كان لغير عذر فلا يسقط عنه، مثلا رجل خرج من الطواف والسعي وركب السيارة لكن نظرا لازدحام السيارات ما وصل إلا عند طلوع الفجر ه?ذا لا شيء عليه؛ لأنه معذور، ثم كما قلنا قبل قليل: الليلة الوحدة ما فيها شيء، يعني ما فيها فدية.

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الرمي والحلق والطّواف، أما الرمي والحلق فهـ?ذا دليله عرفتموه، وأما الطواف فليس فيه دليل من السنة؛ لكن قالوا: إنه لما كان له تأثير في الحل الثاني فإن له تأثيرا في الحل أول، الحل الثاني كيف؟ لأنه إذا رمى وحلق حل التحلل الأول فإذا طاف وسعى حلّ التحلل الثاني، إذن فللطواف تأثير في الحل، فلما كان له تأثير في الحل قلنا: إنه إذا فعله في الرمي أو مع الحلق فإنه يحل التحلل الأول، ه?ذا وجهه، ومع ه?ذا فإنه ينبغي أن لا يحل حتى يرمي ويحلق اتّباعا للنص؛ لكن لو أفتى مفتٍ بذلك بناءً على ه?ذا القياس لم يكن بعيدا؛ ولكن الأولى المحافظة على? ما جاءت به السنة.

فيما مرّ علينا أيضا أن العباس بن عبد المطلب أنه يجوز للإنسان المشتغل بما ينفع عامة الناس أن يدع المبيت بمنى، من واجبات أو من أركان أو سنن الحج؟ والراجح أنه واجب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير