تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

من لم يستطع أن يرمي أبدا ماذا يصنع؟ قال بعض العلماء: إنه يسقط عنه الرمي لماذا؟ قال: لأن الرمي واجب، والواجبات تسقط بالعجز عنها بنص القرآن، ?لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا? [البقرة:286]، ?فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ? [التغابن:16].

وقال آخرون: بل إذا عجز فإنه يوكل؛ يستنيب، واستدلوا:

بأن الحج تجوز الاستنابة في جميعه عند العجز، ففي بعضه أولى، المرأة التي جاءت وقالت: إن أبي أدركته فريضة الحج شيخا كبيرا لا يستطيع الثبوت عل الراحلة أفأحج عنه؟ قال: ((نعم))، فإذا جاز في جميعه جاز في جزئه.

ثانيا ورد عن الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أنهم رموا عن الصبيان، وه?ذا يدل على أن الاستنابة في الرمي عن العاجز عنه جائزة.

وه?ذا هو الأقرب، الأقرب أنه يجوز أن يستنيب عنه؛ أي أن يقيم نائبا عنه في الرمي.

وإذا قلنا بالجواز فهل نقول للنائب: ارم أولا عن نفسك ثم اذهب إلى الخيمة وارجع لترمي عن صاحبك؟ لا، لا يجب؛ لأن السعي إلى الجمرات واجب لغيره لا واجب لذاته، وإذا كان واجبا لذاته فهو وسيلة، فإذا حصل المقصود بدونه سقط.

ننتقل من ه?ذه النقطة إلى نقطة مهمة أهم منها، وهي إذا وجب الحج على إنسان في القصيم، فهل له أن يوكّل أو أن يستنيب من يحج عنه من مكة أو لا، فيه خلاف؛ ولكن الأقرب عند القواعد أنه يجوز؛ لأن سير الإنسان من القصيم إلى مكة مطلوب لغيره، ولهذا لو سافرت إلى مكة لا للحج لا نقول: اذهب إلى القصيم وارجع حاجا، نقول: حج من مكانك.

إذن فالقول الراجح في المسألة الأخيرة أن الإنسان يجوز أن ينيب عنه من يحج ولو من مكة؛ لأن السعي من مكان الوجوب إلى مكة وسيلة مقصود لغيره، على ه?ذا نقول للرجل الذي استناب غيره ليرمي عنه، نقول: إن الذي استنبته إذا رمى عن نفسه فله أن يرمي عنك دون أن يرجع إلى مكان رحله.

هل يلزمه أن يرمي الجمرات الثلاث عن نفسه أولا، ثم يرجع من الأولى لمن استنابه؟ فيه خلاف،

من العلماء من يقول: لابد أن يرمي الثلاثة عن نفسه أولا ثم يعود من الأولى لمستنيبيه. حجتهم في ذلك يقولون: إن رمي الجمرات الثلاث عبادة واحدة، ليست كل واحدة عبادة مستقلة، والدليل في ذلك أنه يشرع بين الأولى والوسطى والوسطى والثالثة، وإذا رمى الثالثة لا يشرع الدعاء، وه?ذا دليل على أنها عبادة واحدة يشرع الدعاء في جوفها لا بعد الانفصال عنها.

إذن فلابد أن ترمي أولا عن نفسك واحد اثنان ثلاثة، ثم تعود وترمي عن موكلك.

وعللوا ذلك أيضا قالوا: لأنه إذا رمى عن نفسه أولا في الجمرة الأولى ثم عن وكيله فاتت الموالاة لأن فصل بين رميه الأولى والثانية بالرمي عن صاحبه فأدخل عبادة في جوف عبادة فلا تصح.

وقال بعض العلماء: بل يجزئ أن يرمي عنه وعن وكيله في مكان واحد، واستدلوا بذلك بعمل الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان، وظاهر النقل أنهم لا يرمون أولا عن أنفسهم ثم يعودون لأنهم لو كانوا يفعلون ذلك لبينوه ونقلوه.

وكان شيخنا عبد الرحمـ?ن السعدي يرى الرأي الأول ويفتي به، فأخبرته برأي شيخنا الثاني عبد العزيز بن باز واستدلاله بهـ?ذا الحديث فاستحسنه، استحسن ه?ذا الرأي والاستدلال بالحديث عليه على أنه يجوز أن يرمي الرجل عنه وعن موكله في مكان واحد في موقف واحد، لاسيما في مثل حال الناس اليوم في الزحام الشديد المرير فإن إلزام الناس بأن يكمّلوا عن أنفسهم ثم يرجعوا لموكلهم وإن كان قد وكلهم اثنان فإنهم يرجعون مرتين إذا وكلهم ثلاثة ثلاث مرات .. وهلم جرًّا.

أقول: ه?ذا فيه مشقة في مثل ه?ذه العصور، وكل شيء فيه مشقة لا ينبغي أن تلزم الناس به إلا بدليل لابد منه لابد من العمل به، فما دامت الأدلة متكافئة ومتقاربة والمسألة ليس فيها رجحان بين، فإلزام الناس بهـ?ذا العمل الشاق قد يتوقف فيه الإنسان؛ لأن الإنسان ليس له أن يمنع عباد الله ما أحله لهم، ولا أن يلزمهم بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل لأنك مسؤول.

الحقيقة العالم مسؤول عن توجيه الناس كما أن الأمير الذي ينفذ ويؤدب مسؤول، لو زاد سوط سئل عنه عند الله عز وجل، القاضي لو يفتي بثمانين جلدة لو قال حطوا واحد وثمانين سئل عن ذلك ويم القيامة.

أنت أيها العالم إذا قلت عن شيء مستحب أنه واجب تسأل عنه، فالفرق بين الواجب والمستحب كبير فالمسألة ليست سهلة.

ولهذا نحن في الحقيقة نوجه أنفسنا أولا وإخواننا طلبة العلم ثانيا إلى أن يتثبتوا في مسألة الإلزام، مسألة الاحتياط أو الاستحباب ه?ذا أمره أهون؛ لكن مسألة الإلزام تحليلا أو تحريما أو إيجابا ه?ذه مسألة تحتاج إلى شيء تثبت به قدمك عند الله إذا سألك يوم القيامة، المسألة ليست هينة، بعض الناس تجده لشدة غيرته على دين الله يغلب جانب التحريم، وبعض الناس لمحبته لتأليف الناس وعرض الدين عليهم ميسرا تجده يتساهل، وكل شيء زين خليه يمشي، ه?ذا غلط.

الواجب أنك تمشي على دين الله، وثق بأنك إذا مشيت على دين الله فلا يصلح عباد الله إلا دين الله، أبدا مهما فكرت.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عل نبينا محمد وعلى له وصحبه أجمعين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير