وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا, فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنِّي أُرِيدُ اَلْحَجَّ, وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حُجِّي وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
[الشرح]
(اَلزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ) عم النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، إذن تكون ه?ذه المرأة ابنة عم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تقول: (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ! إِنِّي أُرِيدُ اَلْحَجَّ, وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حُجِّي وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) المؤلف رحمه الله أتى بهـ?ذا الحديث في ه?ذا الباب، وإن كان له مناسبة أن يذكر في أول باب الإحرام عند الإحرام، لكن ه?ذا الباب له فيه مناسبة.
المناسبة هو أن الإنسان إذا اشترط عند عقد الإحرام أن مَحِلَّهُ حيث حبس ثم حبسه حابس فإنه يتحلل بدون شيء: بدون حلق، بدون دم، بدون قضاء، إن لم يكن فرضا حتى على قول من يقول: إن المحصر يجب أن يقضي وإن كان نفلا في ه?ذه الحال إذا اشترط لا يقضي، يعني يحل. ه?ذا وجه المناسبة لسياق ه?ذا الحديث في باب الفوات والإحصار.
وه?ذا الحديث -كما ترون- الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ دخل على بنت عمه فكلمها وسألها كان ذلك في حجة الوداع، فقال: (حُجِّي وَاشْتَرِطِي).
في ه?ذا الحديث عدة فوائد كثيرة:
منها أن صوت المرأة ليس بعورة، المرأة الأجنبية ليست من المحارم ليس بعورة، الدليل أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلّم ابنة عمه.
فإن قال قائل: ألا يحتمل أن تكون من محارمه بالرضاع؟ قلنا: بلى، الأصل عدم ذلك.
فإن قال قائل: ألا يحتمل أن يكون ه?ذا من خصائص الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما كان من خصائصه جواز كشف الوجه له، جواز الخلوة به قلنا: بلى يمكن أن يكون من خصائصه؛ لكن نقول: من خصائصه لو كان هناك نص يدل على أن صوت المرأة عورة وأنه يحرم مخاطبة المرأة، لو كان هناك نص لابد أن نقول: ه?ذا من خصائص الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ؛ لكن ما فيه نص، لكن المعروف أن النساء يتكلمن أمام النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ بحضرة الصحابة ولا يمنعهن النبي عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، إذن فليس صوت المرأة عورة؛ ولكن لا يجوز للإنسان أن يتلذذ بصوت المرأة -لا تلذذ شهوة ولا تلذذ تمتّع-.
تلذّذ شهوة أن يحس بثوران شهوته عند مخاطبتها.
والتمتع أن يعجبه صوتها وكلامها ويستمر كما يتمتع بنظر الأشجار والبناء الجميل والسيارة الفخمة .. وما أشبه ذلك.
المهم أن صوت المرأة ليس بعورة؛ فتجوز محادثتها إلا إذا كان هناك فتنة وذلك بالتلذذ ومحادثتها إذا تلذذ شهوة أو تلذذ تمتع.
ومن فوائد ه?ذا الحديث أنه يجوز الاشتراط عند الإحرام للمريض، الدليل أنها قالت: (إِنِّي أُرِيدُ اَلْحَجَّ, وَأَنَا شَاكِيَةٌ، فَقَالَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حُجِّي وَاشْتَرِطِي))).
ولكن هل يسن الاشتراط أو لا يسن أو في ذلك تفصيل؟ فيه خلاف بين العلماء:
منهم من أنكر الاشتراط مطلقا، وقال: لا اشتراط في الإحرام؛ لأن الإحرام واجب، يعني إذا دخل الإنسان في النّسك وجب عليه الإتمام، واشتراط التحلل ينافي ذلك ويناقضه، ه?ذا تعليلهم، وأما الدليل ففعل الرسول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فإنه حج واعتمر ولم يشترط لا في عمرة الحديبية ولا في عمرة القضاء ولا في عمرة الجعرانة ولا في حجة الوداع، مع أنه لا يخلو من خوف فلا يسن الاشتراط مطلقا ولا يفيد أيضا.
قالوا: ولو كان يفيد ما كان الإحصار فائدة وقيمة.
ومنهم من فصل قال: إن الاشتراط سنة لمن كان يخشى مانعا من مرض أو غيره، وليس بسنة لمن لا يخشى مانعا.
¥