قال ابن رشد: "المسألة الرابعة اختلفوا في إمامة المرأة فالجمهور على أنه لا يجوز أن تؤم الرجال واختلفوا في إمامتها النساء فأجاز ذلك الشافعي ومنع ذلك مالك وشذ أبو ثور والطبري فأجازا إمامتها على الإطلاق وإنما اتفق الجمهور على منعها أن تؤم الرجال لأنه لو كان جائزا لنقل ذلك عن الصدر الأول ولأنه أيضا لما كانت سنتهن في الصلاة التأخير عن الرجال علم أنه ليس يجوز لهن التقدم عليهم لقوله عليه الصلاة والسلام أخروهن حيث أخرهن الله ولذلك أجاز بعضهم إمامتها النساء إذ كن متساويات في المرتبة في الصلاة مع أنه أيضا نقل ذلك عن بعض الصدر الأول" [28]
أقول: لم يجز الطبري إمامة المرأة للرجل في الصلاة على الإطلاق بل إنه أجازها بشرط كما قال الصنعاني: "أن المرأة لا تؤم الرجل وهو مذهب الهادوية والحنفية والشافعية وغيرهم، وأجاز المزني وأبو ثور إمامة المرأة، وأجاز الطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن" [29]
كلام صاحب المغني تعليقاً على الخرقي:
"مسألة قال (وإن صلى خلف مشرك أو امرأة أو خنثى مشكل أعاد الصلاة) وجملته أن الكافر لا تصح الصلاة خلفه بحال سواء علم بكفره بعد فراغه من الصلاة أو قبل ذلك وعلى من صلى وراءه الإعادة، وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي، وقال أبو ثور والمزني لا إعادة على من صلى خلفه وهو لا يعلم لأنه ائتم بمن لا يعلم حاله فأشبه ما لو ائتم بمحدث. ولنا إنه ائتم بمن ليس من أهل الصلاة فلم تصح صلاته كما لو ائتم بمجنون، وأما المحدث فيشترط أن لا يعلم حدث نفسه والكافر يعلم حال نفسه وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء وقال أبو ثور لا إعادة على من صلى خلفها وهو قياس قول المزني" [30]
أقول: إذا أمعنا النظر في كلام ابن قدامة نجد أن صورة المسألة تكون على النحو التالي:
رجل صلى خلف كافر ولم يعلم أنه كافر أو أنه كان يعلم قبل الصلاة.
فالشافعي وأصحاب الرأي وأصحاب المذاهب الإسلامية قاطبة ومعهم أبو ثور والمزني والطبري قالوا لا تصح الصلاة وراء الكافر إذا علم المأموم أنه كافر قبل الصلاة.
أما الخلاف هو شاذ إذا صلى المأموم خلف إمام كافر ثم تبين له بعد الصلاة أنه كافر فهل تصح صلاته وهل يعيد فعلى رأي أبي ثور والمزني والطبري لا إعادة عليه وحجتهم في ذلك أن المأموم صلى خلفه وهو لا يعلم أنه كافر لأنه ائتم بمن لا يعلم حاله فأشبه بحال ما لو ائتم بمحدث.
لذلك قالوا إن من صلى خلف امرأة وهو لا يعلم فإن صلاته صحيحة قياساً على من صلى وراء شخص محدث (أخرج ريحاً أو كان جنباً أو لم يكن متوضئاً في الأصل حسب رأي أبي ثور والمزني والطبري وهذا ما ذكره ابن قدامة في الفقرة السابقة: (وقال أبو ثور لا إعادة على من صلى خلفها وهو قياس قول المزني).
ولعل قائلاً يقول: ماذا يقصد ابن قدامة من هذه العبارة وهو قياس قول المزني؟
أقول: إن المزني قال بصحة الصلاة خلف المرأة أو الكافر للمأموم الذي لا يعلم أن الإمام امرأة أو أن الإمام كافر قياساً على رأيه القائل أن من صلى خلف المحدث وهو لا يعلم أنه محدث فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه حتى لو علم بعد الصلاة. هكذا تبين لنا بجلاء أصل المسألة التي يتخذها تكأة القائلون بجواز إمامة المرأة للرجال معتمدين على رأي شاذ لأبي ثور والمزني رغم أنهما لم يفتيا بصحة صلاة المأموم الذي يصلي وهو يعلم أن الإمام امرأة .. فلم يقولا ذلك ولم يذهبا إلى ما ذهب إليه القائلون بإمامة المرأة للرجال في الصلاة المفروضة والنافلة.
أما ابن جرير الطبري فإن هناك أقوالاً شاذة مبثوثة في بعض كتب الفقه منسوبة إليه كقوله بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة وقوله بجواز توليتها للقضاء والإمامة الكبرى. ولعل بعض من يعتمد على قول الطبري يأخذه على طريقة (فويل للمصلين)!! فالطبري كما يقول الصنعاني: "وأجاز الطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن وحجتهم حديث أم ورقة" [31]
إذن الطبري يجيز إمامة المرأة للصلاة التراويح وليس الفريضة ويشترط ألا يوجد من
¥