يحفظ القرآن غيرها. ويستند إلى حديث أم ورقة الأنصارية والحديثة حجة عليهم لا لهم لأنها كانت تؤم أهل دارها ومحارمها على افتراض وجود الشيخ الكبير فإنه قد يكون من محارمها وتكون هذه حالة خاصة بأم ورقة ولم يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لغيرها.
وعلى أية حال فبعد التحقيق والتمحيص في الكتب المطبوعة للطبري لم نجد لهذه الآراء ذكر في كتبه خاصة كتابه الشهير جامع البيان عن تأويل آي القرآن المسمى بتفسير الطبري الذي يتعرض فيه للعديد من المسائل الفقهية حيث يناقش ويفند ويرجح ما يراه فلم نعثر على القول المنسوب إليه في هذا الكتاب فعلى سبيل المثال عندما تعرض لتفسير آية سورة النساء (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا ... الآية). يقول الطبري: يعني بقوله جل ثناؤه: (الرجال قوامون على النساء) الرجال أهل قيام على نسائهم في تأديبهن والأخذ على أيديهن، فيما يجب عليهن لله ولأنفسهن؛ (بما فضل الله بعضهم على بعض): يعني بما فضل الله به الرجال على أزواجهم من سوقهم إليهن مهورهن، وإنفاقهن عليهن أموالهن، وكفايتهن إياهن مؤنهن. وذلك تفضيل الله تبارك وتعالى إياهن عليهن، ولذلك صاروا قوّاماً، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهنّ" [32]
فهذا قول الطبري في مسألة القوامة فهل يناقض نفسه ويجيز للمرأة أن تتولى الولاية الصغرى (إمامة الصلاة للرجال) والولاية العامة كالقضاء ورياسة الدولة؟!!
أما من يجيز إمامة المرأة للرجال في صلاة التراويح وليس في الفريضة وهو قول بعض الحنابلة إذ يقول ابن قدامة: "وقال بعض أصحابنا يجوز أن تؤم الرجال في التراويح وتكون وراءهم لما روي عن أم ورقة بنت عبد الله أن رسول الله صلى الله جعل لها مؤذناً يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها. رواه أبو داود وهذا عام في الرجال والنساء" [33]
وقد ذكر المرداوي الحنبلي هذه الصورة بقوله:
" قال القاضي في المجرد ولا يجوز في غير التراويح: فعلى هذه الرواية قيل يصح إن كانت قارئة وهم أميون جزم به في المذهب والفائق وبن تميم والحاويين قال الزركشي وقدمه ناظم المفردات والرعاية الكبرى وقيل إن كانت أقرأ من الرجال وقيل إن كانت أقرأ وذا رحم وجزم به في المستوعب وقيل إن كانت ذا رحم أو عجوزاً، واختار القاضي يصح إن كانت عجوزاً. قال في الفروع واختار الأكثر صحة إمامتها في الجملة لخبر أم ورقة العام والخاص" [34]
ويذكر صاحب الإنصاف كيف تؤم المرأة الرجال في صلاة التراويح: "فائدة حيث قلنا تصح إمامتها بهم فإنها تقف خلفهم لأنه أستر ويقتدون بها" وينقل صاحب الإنصاف عن أحد الحنابلة قوله: "وعنه تقتدي هي بهم في غير القراءة فينوي الإمامة أحدهم" [35]
أقول: هذا الرأي في غاية العجب! يجيزون للمرأة أن تكون إماماً للرجال بشرطين:
(أ): الشرط الأول: أن تكون إماماً للرجال في صلاة التراويح وليس الفريضة.
(ب) الشرط الثاني: أن تكون عجوزاً وألا يوجد من الرجال من يحفظ القرآن.
(ب): الشرط الثالث: أن تصلي خلف صفوف الرجال أي أن الرجال وجوههم للقبلة بدون إمام وهي (الإمام) تقف خلفهم ويتبعونها في القراءة وفي الركوع والسجود!!
ولما وجد بعض الحنابلة أن الصورة في الشرط الثالث غير مقبولة لتعارضها مع حديث (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قالوا بالصورة التي ذكرها المرداوي وهي أعجب: أن تصلي المرأة خلف الرجال تقرأ فقط والرجال يختارون إماماً منهم يقتدون به في الركوع والسجود بدون القراءة!!
وهذا ما يتمسك به من أفتى للمرأة الأمريكية وحرضها لاقتحام حرم الإمامة بزعم أن ابن قدامة ذكر أن بعض الحنابلة أجازوا ذلك!! وهذا تدليس على ابن قدامة فالصورة كما عرضناها أن ابن قدامة يستعرض رأي بعض الحنابلة على سبيل الاستنكار. وتصداقاً لذلك فإنه يرد على أصحاب هذا الرأي الغريب بقوله: "ولنا (يقصد المعتمد في المذهب الحنبلي) قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تؤم امرأة رجلاً)، ولأنها لا تؤذن للرجال فلم يجز أن تؤمهم كالمجنون. وحديث أم ورقة إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها كذلك رواه الدارقطني. وهذه زيادة يجب قبولها ولو لم يذكر ذلك لتعين حمل الخبر عليه. لأنه أذن لها أن تؤم في الفرائض بدليل أنه جعل لها مؤذنا والأذان إنما يشرع في الفرائض ولا خلاف في أنها لا تؤمهم في الفرائض ولأن تخصيص ذلك
¥