وعليه: فيمكن أن يكون التكييف هنا على صفتين:
الأولى: إن كان المحاسب القانوني فرداً: فتكيف موافقته لما في القوائم المالية على أنها وثيقة تصديق أو تزكية, إذ أن ما يدلي به المحاسب هنا خبر منه, والأخبار تحتمل الصدق والكذب, فإذا أدلى المحاسب برأيه في القوائم المالية بالتعديل (أي القول بعدالة البيانات) , فيعتبر ذلك تزكية منه وتصديقاً للقوائم المالية ومعدها وهي الشركة, إذ لا يقبل قول الفرد هنا (وهو المحاسب القانوني) كشاهد, وذلك لعدم اكتمال نصاب الشهادة في الأموال, لقول الحق تعالى:?وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ? ([6] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn6))
قال ابن القيم –رحمه الله- في نصاب الشهادة: "وَأَمَّا فِي غَيْرِ الزِّنَا فَذَكَرَ شَهَادَةَ الرَّجُلَيْنِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْأَمْوَالِ؛ فَقَالَ فِي آيَةِ الدَّيْنِ: ?وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ?, فَهَذَا فِي التَّحَمُّلِ وَالْوَثِيقَةِ الَّتِي يَحْفَظُ بِهَا صَاحِبُ الْمَالِ حَقَّهُ" ([7] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn7)).
الثانية: إذا كان من يقوم بمراجعة الحسابات وتدقيقها, وإبداء رأيه في صحة البيانات أو خطئها أكثر من واحد, فإن نصاب الشهادة في هذه الحقوق المالية رجلان, أو رجل وامرأتان, وما زاد فهو زيادة توثيق, وعليه فإن القوائم المالية إذا اكتسبت رأي المحاسبين القانونيين هنا؛ فإنها تخرج على أنها شهادة, أوثيقة شهادة على مطابقة البيانات لواقع الشركة.
وأما الجانب الثالث: وهو مرحلة تنزيل الحكم الشرعي على الشركة المساهمة, وهذه المرحلة تنبني على الجانبين الأولين.
فإن كانت القوائم المالية قد اكتسبت رأي محاسب قانوني واحد؛ فإن رأي المفتي هنا يكون مبنياً على شهادته فقط, ويكون بمثابة رأي الخبير للقاضي. وعليه: فيحرم على المفتي أن يطلق حكماً شرعياً بمجرد هذه الوثيقة حتى يتأكد بنفسه من صحة ما فيها من بيانات ليسوغ شرعاً الحكم عليها, لأنه سيكون قد أفتى بحلال أو حرام دون مستند يصح الاعتماد عليه, فيكون ذلك من قبيل القول على الله بالكذب, قال تعالى: ?وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ? ([8] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn8)), قال الطبري ([9] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn9)) - رحمه الله- في توجيه هذه الآية: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذبَ فيما رزق الله عباده من المطاعم: هذا حلال، وهذا حرام، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذبَ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تُحرِّمون، ولا أحلّ كثيًرا مما تُحِلون" ([10] ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=34#_ftn10)).
والمعنى العام المستفاد من هذه الآية: أن الله نهاهم عن التحريم والتحليل من تلقاء أنفسهم, بأن يصفوا الشيء بأنه حلال أو حرام لمجرد قولهم بألسنتهم الكذب: هذا حلال وهذا حرام, كما يفعل المشركون فحللوا وحرموا بدون وحي إلهي, ولا شرع سماوي. ليؤول قولهم وصنيعهم ذلك إلى الافتراء على الله والكذب عليه. مع أن الكاذب على الله لا يفلح أبداً لقوله تعالى في نهاية الآية: ?إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ?.
وأما إن كانت القوائم المالية قد اكتسبت رأي محاسِبَين قانونيين فأكثر؛ فإن حكم المفتي على الشركة بناءً على هذه القوائم يكون من قبيل الحكم بالشهادة, لتوفر شروط الشهادة فيهما.
يبقى أن للمفتي هنا –أيضاً- عدم الأخذ بهذه الشهادة منهما إن اعتبرها رأيا خبير في الشركة, بل حتى لو اعتبرهما شاهدين فإن ذلك لا يلزمه بالحكم على الشركة بمقتضى رأييهما أو شهادتيهما, إذ قد ترد البينة (الشهادة) مع الشبهة القوية, لاسيما وأن المجال ليس مجال قضاء, وإنما هو مجال فتوى, والسعيد من كُفِيَها.
([1]) انظر: نظام الشركات السعودي (م123).
([2]) انظر: نظام الشركات السعودي (م130).
([3]) الروض المربع على مختصر المقنع, لمنصور بن يونس بن صلاح البهوتي (ص162).
([4]) المصدر السابق.
([5]) جاء في (م130) من نظام الشركات السعودي ما نصه:"تعين الجمعية العامة العادية مراقب حسابات أو أكثر من بين المراقبين المصرح لهم بالعمل في المملكة وتحدد مكافآتهم ومدة عملهم .. ".
([6]) سورة البقرة: الآية (282).
([7]) أعلام الموقعين لابن القيم (1/ 120).
([8]) سورة النحل: الآية (116).
([9]) انظر ترجمته في ملحق التراجم.
([10]) جامع البيان في تأويل القرآن, لأبي جعفر الطبري محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي (17/ 314) ,
تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر, مؤسسة الرسالة, الطبعة الأولى1424هـ.
¥