تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن أحكام الوصية أنها إنما تستحب في حق من له مال كثير ووارثه غير محتاج، لقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ، والخير هو المال الكثير عرفا؛ فتكره وصية من ماله قليل ووارثه محتاج؛ لأنه يكون بذلك قد عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص (**********: InfoPopup(37,'alam')): إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وقال الشعبي (**********: InfoPopup(14577,'alam')): " ما من مال أعظم أجرا من مال يتركه الرجل لولده ويغنيهم به عن الناس "، (2) وقال علي (**********: InfoPopup(8,'alam')) لرجل: " إنما تركت شيئا يسيرا، فدعه لورثتك " وكان كثير من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوصوا.

وإذا كان قصد الموصي المُضَارَّة بالوارث ومضايقته فإن ذلك يحرم عليه ويأثم به؛ لقوله تعالى: غَيْرَ مُضَارٍّ وفي الحديث: إن الرجل ليعمل بطاعة الله ستين سنة، ثم يحضره الموت، فيضار في الوصية، فتجب له النار وقال ابن عباس (**********: InfoPopup(11,'alam')): الإضرار في الوصية من الكبائر.

قال الإمام الشوكاني - رحمه الله -: " قوله: غَيْرَ مُضَارٍّ أي: يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار؛ كأن يقر بشيء ليس عليه، أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الضرار بالورثة، أو يوصي لوارث مطلقا أو لغيره بزيادة على الثلث ولم تجزه الورثة، وهذا القيد - أعني قوله: غَيْرَ مُضَارٍّ - راجع إلى الوصية والدَّيْن المذكورين؛ فهو قيد لهما، فما صدر من الإقرارات بالديون أو الوصايا المنهي عنها أو التي لا مقصد لصاحبها إلا المضارة لورثته، فهو باطل مردود، لا ينفذ منه شيء، لا الثلث ولا دونه " انتهى كلام الشوكاني - رحمه الله -.

ومن أحكام الوصايا جواز الوصية بكل المال لمن لا وارث له؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وورد جواز ذلك عن ابن مسعود (**********: InfoPopup(10,'alam'))- رضي الله عنه -، (3) وقال به جمع من العلماء؛ لأن المنع من الوصية بما زاد عن الثلث لأجل حق الورثة، فإذا عدموا؛ زال المانع؛ لأنه لم يتعلق به حق وارث ولا غريم؛ فأشبه ما لو تصدق بماله في حال صحته.

قال الإمام ابن القيم: " الصحيح أن ذلك له؛ لأنه إنما منعه الشارع فيما زاد على الثلث إذا كان له ورثة، فمن لا وارث له لا يعترض عليه فيما صنع في ماله ... " انتهى كلام ابن القيم. (4)

ومن أحكام الوصايا أنه إذا لم يف ثلث مال الموصي بها ولم تجز الورثة الزيادة على الثلث، فإن النقص يدخل على الجميع بالقسط فيتحاصَّون، ولا فرق بين متقدمها ومتأخرها؛ لأنها كلها تبرع بعد الموت، فوجبت دفعة واحدة، تساوى أصحابها في الأصل وتفاوتوا في المقدار، فوجبت المحاصة؛ كمسائل العول في الفرائض إذا زادت على أصل المسألة.

مثال ذلك: لو أوصى لشخص بمائة ريال، ولآخر بمائة ريال، ولثالث بخمسين ريالا، ولرابع بثلاثين ريالا، ولخامس بعشرين ريالا، وثلث ماله مائة ريال فقط، ومجموع الوصايا ثلاثمائة ريال، فإذا نسبت مبلغ الثلث إلى مبلغ مجموع الوصايا؛ بلغ ثلثه، فيعطى كل واحد ثلث ما أوصى له به فقط.

ومن أحكام الوصايا أن الاعتبار بصحتها وعدم صحتها بحالة الموت، فلو أوصى لوارث، فصار عند الموت غير وارث كأخ حجب بابن تجدَّد؛ صحت الوصية اعتبارا بحال الموت؛ لأنه الحال الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث والموصى له، وبعكس ذلك، لو أوصى لغير وارث، فصار عند الموت وارثا؛ فإنها لا تصح الوصية؛ كما لو أوصى لأخيه مع وجود ابنه حال الوصية، ثم مات ابنه؛ فإنها تبطل الوصية إن لم تجزها الورثة؛ لأن أخاه صار عند الموت وارثا.

ويترتب على هذا الحكم أيضا أنه لا يصح قبول الوصية ولا يملك الموصى له العين الموصى بها إلا بعد موت الموصي؛ لأن ذلك وقت ثبوت حقه، ولا يصح القبول قبل موت الموصي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير