تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن الله يؤمِّن خوفك كما أمن خوفها، ويقضي حاجتك كما قضى حاجتها، ويزيل عناءك كما أزال عناءها.

تستشعر وأنت بين الصفا والمروة همومك وغمومك وأشجانك وأحزانك وكرباتك فتضعها بين يدي الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، بين يدي الله جل جلاله منتهى كل شكوى، وسامع كل نجوى، وكاشف كل ضر وبلوى، ادعه بقلب مخلص موقن لا يعرف أحداً سواه أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62] فتستشعر في هذه الأماكن والمنازل أن الله يجيب الدعوات. واستمع المؤمنين والمؤمنات، وانظر إلى عظمة جبار السموات والأرض يوم عجت ببابه الأصوات، واختلفت اللغات، والله لا يضيع منها حرف واحد، ولا تغيب منها كلمة واحدة، ولا تخفى عليه مسألة منها سبحانه وتعالى، في هذا المقام العظيم تستشعر همومك وغمومك أنك تنزلها بأكرم الأكرمين، وملاذ الهاربين، وأمان الخائفين، وجوار المستجيرين، تبارك الله رب العالمين! أستودع الله أموري كلها إن لم يكن ربي لها فمن لها لنا مليك محسن إلينا من نحن لولا فضله علينا تبارك الله وجل الله أعظم ما فاهت به الأفواه سبحان من ذلت له الأشراف أكرم من يرجى ومن يخاف فتدعوه وأنت موقن أنه لا يخيبك، وأنه لا يردك. وإذا مضيت إلى عرفات، وأشرقت عليك شمس ذلك اليوم المبارك، فاحمد الله جل جلاله أنها أشرقت عليك وأنت ضيف على الله، احمد الله جل جلاله أنها أشرقت عليك فما كنت من المحرومين، وما كنت من المثبطين، فقل: يا رب! أكرمتني بهذا الموقف ولو شئت لحرمتني، فلا تجعلني أشقى عبادك في هذا اليوم العظيم. إذا أشرقت عليك شمس يوم عرفات فاذكر رحمة الله فاطر الأرض والسموات، وانظر إلى ذلك الموقف العظيم بقلب يعظمه، بقلب أسلم إليه سبحانه وتعالى، من بيده مقاليد السماوات والأرض جل جلاله وتقدست أسماؤه. وصل، وأخلص لله جل جلاله في صلاتك، ثم انصرف إلى الدعاء، وهذه الساعات لا تضيع في أي لحظة منها، ولا تضيع منها دقيقة، وأفضل ما يكون منك أن تذكره سبحانه وتعالى بتوحيده، قال صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له) فالإنسان يقبل على هذا الموقف وهو يذكره ويمجده ويعظمه، لا إله إلا الله خالصة من قلبك، معظمة لربك، وأنت تحس أنه أقرب إليك من حبل الوريد، وأنه يسمعك وأنه يراك سبحانه جل جلاله. وإذا وقفت بين يديه وقفت وأنت تحس أن الذنوب قد كثرت، وأن العيوب قد عظمت، وأن الخطايا قد جلت، ولكنه أرحم الراحمين، وأنه لم يسئ ظنك فيه وهو الحليم الرحيم، فتقبل على الله جل جلاله بقلب يناجيه ويناديه بصدق وإخلاص، تدعوه من كل قلبك أن يغفر ذنبك وأن يستر عيبك، وأن يفرج كربتك وأن يرحمك. فلا إله إلا الله كم أشرقت شمس ذلك اليوم على أشقياء فغابت وهم سعداء! لا إله إلا الله كم أشرقت شمس ذلك اليوم على أقوام مذنبين مسيئين فغابت وهم مطهرون مرحومون مغفور لهم! لا إله إلا الله إذا رحم الله برحمته، وسمح بحلمه وعفوه وكرمه سبحانه وتعالى! لا إله إلا الله إذا نزل جبار السماوات والأرض نزولاً يليق بجلاله وعظمته على الحقيقة، ينزل إلى السماء الدنيا لأنه علم أنه لا يجيب دعاء ما سواه، وعلم أنه ليس للمسألة أحد عداه كائناً من كان، ولو كان نبياً مرسلاً أو ملكاً مقرباً.

ينزل إلى السماء الدنيا لكي يرحم المذنبين ويغفر للمسيئين، ويقيل عثرة النادمين سبحانه وتعالى، ينزل إلى السماء الدنيا في تلك الساعة المباركة لكي يباهي بالجموع المؤمنة ملائكته (انظروا إلى عبادي! أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق؛ يرجون رحمتي ويخافون عذابي، أشهدكم أني قد غفرت لهم). فلله نفحات ولله رحمات، ولربما غفر الله جل وعلا لأهل الموقف جميعهم، لربما غفر الله -جل جلاله- لأهل الموقف نساءً ورجالاً، ورحمهم جميعاً شباباً وشيباً وأطفالاً، فرحمته واسعة، وخزائنه ملأى، بيده سبحانه وتعالى الخير كله، فتناديه وأنت موقن برحمته، وتحس أنك أفقر العباد إليه، وأغناهم به سبحانه وتعالى، وتعج ببابه جل جلاله مسترحماً مستحلماً مستعطفاً لله سبحانه وتعالى. فإذا غابت شمس ذلك اليوم خرجت وأنت تحسن الظن بالله سبحانه وتعالى؛ أن يجعل سعيك مشكوراً، وذنبك مغفوراً، وأجرك موفوراً، فتنطلق إلى تلك المشاهد الباقية بقلب مستحضر لعظمة الله سبحانه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير