[ضوابط في الفهم والاتباع من خلال حجة الوداع]
ـ[البوني الشنقيطي]ــــــــ[01 - 12 - 07, 03:32 ص]ـ
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه أما بعد:
فهذا موضوع كنت نشرته في بعض اليوميات الصادرة في موريتانيا في العام الماضي أحببت أن تعم به الفائدة فلا تنسوني من دعاء صالح
[ضوابط في الفهم والاتباع من خلال حجة الوداع]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعود بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا أما بعد:
لفت انتباهي وأنا أتصفح الأحاديث الواردة في حجة الوداع ذالك الحشد الهائل من النصوص الدالة على ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة من الفهم عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وشدة اتباعهم لما ثبت لهم من هديه وصح لهم من سنته،لا يُحابي في ذلك متعلم عالما ولا صغير كبيرا ولا مأمور أميرا، جيل كان الحق ضالتهم والدليل نبراسهم والحجة حكمهم
ولفت انتباهي في المقابل أنهم وهم الجيل الذي تلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون واسطة قد بدر منهم الخلاف ونشأ بينهم النزاع في مسائل كثيرة في هذا الباب وغيره
وبعد التأمل وجدت أن الأمر طبعيا
-فالناس متفاوتون في استعداداتهم الفكرية ومتأثرون بطبائعهم النفسية فالبعض منهم يميل إلى الشدة والعزيمة والبعض الآخر يميل الرخصة والتيسر، ويجتمع للواحد من القرائن والأدلة في باب ما لا يجتمع للآخر، وقد يلمح معنى خفيا لا يتفطن له غيره، ولكل حجته فيما انتهج وعذره فيما سلك، طالما أن أيا منهم لم يخرج عن الإطار العام لفهم النصوص ولم يأل جهدا في معرفة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
إلا أن الحد الفاصل بين الصحابة ومن سواهم في هذا الباب أن الخلاف وإن وقع منهم في الفهم إلا أنه لم يُفسد للود قضية، ولم يفت في عضد الجماعة المسلمة.
وقد بدا لي أن أشرك القراء معي فأقف بهم وقفات نتأمل فيها بعض هذه النصوص الصحيحة لنستجلي منها بعض معالم المنهج السلفي في الفهم والاتباع، نستغني به عما أفرزته مدارس الرأي والكلام مما أثار بين المسلمين كثيرا من الخلاف والخصام.
الوقفة الأولى: لا حجة في أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم
روى عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا أيوب قال قال عروة لابن عباس: ألا تتقي الله؟ ترخص في المتعة
فقال ابن عباس: سل أمك يا عُرية
فقال عروة:أما أبو بكر وعمر فلم يفعلا
فقال ابن عباس: والله ما أراكم منتهين حتى يُعذبكم الله، أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثوننا عن أبي بكر وعمر
انظر التمهيد (8/ 203)
-وروى الترمذي (ح824) وغيره عن ابن عمر أنه سئل عن التمتع بالعمرة إلى الحج فقال: هي حلال، فقال رجل: إن أباك كان ينهى عنها
فقال ابن عمر:
أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وصنعها رسول الله صلى الله،أأمر أبي يُتبع أم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟.
فعند تأمل هذين الأثرين، ونظائرهما كثيرة لا يتسع لها المقام، نلاحظ تمسك ابن عمر وابن عباس بما ثبت لهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من كونه تمتع ولم يمنعهما مخالفة أبي بكر وعمر، وهما أعلم الناس بمكان أبي بكر وعمر من الفهم عن الله ورسوله، وما تميزا به من السابقة والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يحتج أبو بكر ولا عمر بسابقتهما ومكانتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه في خلافاتهما مع الصحابة في المسائل الكثيرة، مما يعني أن هذه المكانة وتلك السابقة ليست أي منهما قسيما للأدلة الشرعية حتى تعارض بها.
وقد خالف عمر في هذه المسألة جماعة من الصحابة منهم عمران ابن حصين
روى مسلم في صحيحه (ح 1226) عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال
: أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء
، (يعني عمر)
كما خالف علي ابن أبي طالب عثمان ابن عفان في هذه المسألة كما في صحيح صحيح مسلم (ح 1223) عن سعيد بن المسيب قال
: اجتمع علي وعثمان رضي الله عنهما بعسفان فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة فقال علي ماتريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟ فقال عثمان دعنا منك فقال إني لا أستطيع أن أدعك فلما أن رأى علي ذلك أهل بهما جميعا
¥