أنه يذكرك _ أخي الحاج _ بأن الله سبحانه قد جعل لكل ضيق فرجًا ومخرجًا، كما ينبع الماء العذب من بطن الصخر الصَّلْد؛ فهذا نبي الله إسماعيل _ عليه السلام _ يتلوى عطشًا؛ فتهرول أمه هاجر بين الصفا والمروة في ابتغاء الماء، ثم يأتي الفرج بعد شدة الكرب، فيتدفق ماء زمزم المبارك بلا انقطاع إن شاء الله تعالى.
سابعًا _ الوقوف بعرفة: ومما يتجلى من آثاره:
أ _ شعور الحجاج بأن جمعهم هذا هو أفضل ما يباهي به الله سبحانه ملائكته؛ فليحرص الحاج _ بعد تلك المباهاة المباركة _ على ألا يفتقده ربه في مواضع أمره، وعلى ألا يراه في مواطن نهيه وسخطه.
ب _ شعور الحجاج بأنهم في تظاهرة عظمى دعاهم إليها ربهم لإعلان ولائهم لله ورسوله، فلبوا وأجابوا.
ج _ شعور الحجاج بأخوَّة الإسلام على الرغم من تباعد أوطانهم، وتعدد أجناسهم، فهم اليوم قد اجتمعوا على صعيد واحد، وهم يعبدون إلهًا واحدًا لا شريك له، ويهتفون باسمه هتافًا واحدًا قائلين: لبيكَ اللهمَّ لبيكَ، لبيكَ لا شريكَ لكَ لبيكَ ...
د _ دعوة الحجاج إلى التعارف فيما بينهم، والنهوضِ معًا لحل أزماتهم، وتبادل خبراتهم.
ثامنًا _ رمي الجمرات: ومن أسراره:
أ _ الوقوف مع جند الله تعالى في نصرة الحق والثبات عليه؛ فالشيطان كان له مع أهل الحق والإيمان جولة في هذا الموطن؛ لكنه كان هو المدحور في نهاية الأمر، وذلك حينما فشل _ عليه اللعنة _ في صرف إسماعيل عن طاعة أبيه إبراهيم _ عليه السلام _ فيما عزم عليه من ذبحه استجابةً لأمر الله تبارك وتعالى.
ب _ تصور _ أخي الحاج _ وأنت ترمي الجمرات بأنك قد أعلنت بكل وضوح وإصرار حربًا لا هوادة فيها على الشيطان ومن والاه، وكنت أنت البادئ فيها، وهذا ما يدعوك إلى التأهب من كَرَّة الشيطان، ليفسد عليك حجك، ويبطل ثوابك، ولعل الواقع يشهد لما أقول؛ فكم من حاج سخر منه الشيطان حينما نفخ فيه من ريح الغرور ما نفخ، واستقبله أهله على أصوات المعازف والمزامير!.
تاسعًا _ الذَّبح: ومن أسراره:
أ _ يبتهج الحاج وهو يذبح هديه بذكرى فداء إسماعيل _ عليه السلام _ بالذِّبح العظيم من لدن رب العالمين جل في علاه.
ب _ يأمُل الحاج أن تكون ذبيحته فداءً له من كُرَب الدنيا والآخرة.
عاشرًا _ الحلق والتقصير: ومن أسراره:
أنه يذكِّرك _ أخي الحاج _ بأن استجابتك لأمر الله Y ينبغي أن تكون كاملة في كل ما يحب ويكره؛ فالرب سبحانه يكلف الحاج بخشونة العيش فترة الإحرام فيلبي، ويستجيب بكامل الرضا، ثم يكلفه يوم النحر باستئناف الحياة من باب النعومة والرخاء فيستجيب أيضًا، ويجعل من أيام مِنى أيام ذكرٍ لله، وثناءٍ عليه Y، كما أرادها ربنا Y، حيث يقول في كتابه العزيز: (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (البقرة:203).
حادي عشر _ السعي:
ويذكِّرك بكِفَّتَيْ ميزان الحساب، فالصفا كِفَّة، والمروة كِفَّة، وأنت تتردد بين الكِفَّتين متلهفًا، لا تدري ما حسابك! فتبتهل في سعيك ضارعًا إلى مولاك أن يثقِّل ميزانك؛ كي تفوز برضوانه وجنانه.
أخي الحاج: كانت تلك بعض أسرار الحج وحِكَمه التي يحسن بك تصورها، وأنت تؤدي المناسك، وإن كنت مكلَّفًا بأداء ما أوجبه عليك الشرع الحنيف؛ علمتَ الحكمة من ذلك، أو لم تعلمها.
وفي الختام أتمنى لك _ أخي الحاج _ حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، وتجارةً لن تبور، راجيًا أن لا تنسني _ والمسلمين _ من صالح دعائك، وأنت في تلك البقاع المقدسة، تغمرك النفحات الطاهرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، إمام الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد أجمعين، وعلى آله وصحبه، ومن اتَّبع هداه إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الراجي رحمة الله تعالى
كمال الدين جمعة بكرو
[1] أخرجه ابن ماجه برقم: 2935 في " المناسك "، وهو صحيح.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[04 - 12 - 07, 03:36 م]ـ
جزاك الله خيراً، وينبغي أن يستشعر المسلم هذه المعاني.
بارك الله فيك
ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[05 - 12 - 07, 11:44 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
جزاك الله خيرا ونفع بك وجعل ما تكتبه وتدع إليه في ميزان حسناتك.
بارك الله في علمك وعملك.
ـ[أبو جمعة]ــــــــ[05 - 12 - 07, 12:23 م]ـ
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرًا، وبارك الله فيكم، وأحسن إليكم.
ـ[أبو جمعة]ــــــــ[12 - 12 - 07, 07:05 ص]ـ
جزاك الله خيراً، وينبغي أن يستشعر المسلم هذه المعاني.
بارك الله فيك
أشكرك على حسن قراءتك، وأثابك الله _ عز وجل _ أجرًا عظيمًا.
ـ[احمد الجرابلسي]ــــــــ[12 - 12 - 07, 11:56 م]ـ
جزاكم الله خيرا على هذه البحوث القيمة ونفع بكم وبعلمكم أمة الإسلام
¥