عليه وسلم عن صوم عرفة قال: يكفر السنة الماضية والباقية)) [رواه مسلم عن قتادة]. أي يكفر الصغائر, ومثله ما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهذا الغفران محمول على غفران الصغائر, أما كبائر الذنوب, كالربا, والزنا, وشرب الخمر, وقتل النفس, وأكل أموال الناس فإنه لا يكفرها الصلاة والصيام ولا الحج, وإنما تكفر بالتوبة النصوح ورد المظالم إلى أهلها.
ويستحب الجهر بالتكبير في عشر ذي الحجة في المساجد, وفي الأسواق والطرق, جهراً لا يؤذي أحداً, وفي البخاري أن عمر وأبا هريرة كانا يخرجان إلى السوق فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما حتى إن للسوق لضجة بالتكبير, وصفته أن يقول ((الله أكبر, الله أكبر لا إله إلا الله, والله أكبر الله أكبر ولله الحمد)).
الأضحية وحكمها: والأضحية في حق الحي هي سنة ثابتة بالكتاب والسنة, وثابتة من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله, وفعل الصحابة, وقد قال بعض العلماء بوجوبها على الغني المقتدر لكونها من شعائر الدين, ومن الطاعة لرب العالمين, فذبحها أفضل من الصدقة بثمنها بإجماع أئمة المذاهب الأربعة, لأنها من القرابين التي تقرب لرب العالمين، وفيها التشريف لعيد الإسلام وعيد حج بيت الله الحرام, وفي فعلها إظهار لشكر نعمة الغنى حيث جعل من يضحي من الأغنياء والمقتدرين ولم يجعله من الفقراء العاجزين, وهذا يعد من أسمى منازل الرفعة والفضيلة, إذ لا أعلى من طاعة الإنسان لمولاه, ثم التقرب إليه بوسائل رضاه, وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسِّم الأضاحي بين أصحابه لتعميم العمل بهذه السنة, وإدخال السرور عليهم بفعلها, وكان يذب أضاحيه بمصلى العيد إشهاراً لشرف هذه الشعيرة, وإظهاراً لمكانها من الشريعة, لتكون أعياد المسلمين عالية على أعياد المشركين وما يقربونه فيها لآلهتهم من القرابين, وقد قال الإمام أحمد: أكره ترك الأضحية لمن قدر عليها. وثبت هذا قول عن الإمام مالك والشافعي أنهما قالا: نكره ترك الأضحية لمن قدر عليها. أما الإمام أبو حنيفة فقد قال بوجوبها على الغني المقتدر مستدلاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم العيد فقال في خطبته: ((من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا)) [رواه أحمد وابن ماجه, وصححه الحاكم]
فالذبح في هذا اليوم يعد من العبادة لرب العالمين, كما أن الذبح للزار, والذبح للجن, والذبح للقبر, يعد من الشرك المبين, فمن الشرك بالله الذبح لغير الله, وفي البخاري عن علي رضي الله عنه قال: حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات, فقال: لعن الله من ذبح لغير الله, لعن الله من لعن والديه, لعن الله من آوى محدثاً, لعن الله من غير منار الأرض, أي: مراسيها.
ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأضاحي قال ((هي سنة أبيكم إبراهيم)). قالوا: وما لنا فيها؟ قال: بكل شعرة حسنة. قالوا: فالصوف؟ قال: وبكل شعرة من الصوف حسنة.
وكان مبدأ مشروعية الأضحية أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يذبح قرباناً يقربه إلى الله في عيد يوم النحر فذبح كبشاً, فكان سنة في ذريته, لأن الله سبحانه أمر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بأن يتبع ملة إبراهيم, فسنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ,فأنزل الله (فصل لربك وانحر) (الكوثر2) قال جماعة من المفسرين: نزلت في صلاة العيد, ثم في النحر بعد, فالأمر بالأضحية إنما شرع في حق من خوطب بفعل صلاة العيد, وهم الأحياء, وفي البخاري عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي, ثم نرجع فننحر, من فعل هذا فقد أصاب سُنتنا, ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله)). . فقال أبو برده ابن دينار وكان قد ذبح قبل الصلاة: يا رسول الله إن عندي عناقاً جذعة. فقال: اذبحها ولا تجزئ عن أحد بعدك)). فالنصوص الصحيحة الشرعية الواردة في فضل الأضحية إنما وردت في خصوص أضحية الحي عن نفسه وأهله, إذ هي الأضحية الشرعية المنصوص عليها بالكتاب والسنة وعمل الصحابة وسلف الأمة, فلا تكون أضحية ولا يترتب عليها هذه الفضائل إلا إذا وقعت موقعها من الصفة المأمور بها على الوجه المطابق للحكمة في مشروعيتها, بأن يقصد بها امتثال أمر الله, واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,وتجردت عن البدع الخاطئة, والتصرفات
¥