ثم إن التسوية في الحكم بين {يسر} و {نذر}، وقياس هذه على تلك لا يصح لأن بينهما تباينا من أوجه:
أولها: أن الياء في {يسر} أصلية لأنها لام الكلمة، أما الياء في {نذر} فزائدة لأنها ياء المتكلم.
ثانيها: أن كسرة الراء في {يسر} كسرة بنية لا يمكن تغييرها، أما كسرة الراء في {نذر} فكسرة مناسبة وإعراب.
وبيان ذلك: أن كلمة {نذر} مرفوعة في قوله تعالىالقمر: 16 لأنها معطوفة على كلمة {عذابي} التي هي اسم (كان) مرفوع وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره ومنع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
وهي منصوبة في قوله تعالىالقمر: 37 لأنها معطوفة على كلمة {عذابي} التي هي مفعول به منصوب وعلامة نصبه فتحة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة.
ثالثها: أن الراء في {يسر} مسبوقة بساكن وقبل الساكن مفتوح، أما راء {نذر} فسبقت بحرفين مضمومين.
وقبل أن أختم هذه العجالة أنقل للقارئ الكريم نصين عن إمامين من أئمة هذا الفن الذين أتوا بعد ابن الجزري ولم يفهموا ما فهم المتولي إمام المرققين.
قال الإمام شمس الدين محمد بن قاسم البقري (تـ1111هـ) ـ رحمه الله ـ في كتابه (غنية الطالبين ومنية الراغبين) في كلامه عن أحكام الراء:
((فإن وقفت عليها فلا تخلو من أن تكون مفتوحة أو مضمومة أو مكسورة فإن انفتحت أو ضُمت وقفت عليها بالتفخيم، نحو قوله تعالىالكوثر: 1الكوثر: 3، وإن انكسرت فقف عليها بالترقيق، نحو: {قادِر}، {ساحِر}، فإن سَكَنَ ما قبلها فلك فيها وجهان التفخيم والترقيق، والأول أصح وعليه المعوَّل، فإن وقع قبلها حرف استعلاء فخمت اتفاقا، وإن انضم ما قبلها فخمت قولا واحدا.
مثال ما إذا سكن ما قبلها وهي مكسورة: {القَدْرِ}، {الفجرِ}.
ومثال ما إذا انضم ما قبلها، نحو: {نُذُر} و {سعر})).
وقال الإمام أبو الحسن الصَّفاقُسي (تـ 1118هـ) ـ رحمه الله ـ في كتابه (تنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين): ((إذا وقفتَ على الراء بالسكون نظرت إلى ما قبله، فإن كان ما قبله كسرة نحو: {مُنْذِر}، أو ساكن بعد كسرة نحو: {الشِعْر}، أو ياء ساكنة نحو: {العِيْر}، {لاضَيْر}، أو ألف ممالة نحو: {الدار}، {الأبرار} عند من أمال، أو راء مرققة نحو: {بِشَرَر} رقَّقَّتَه.
وإن كان قبله غير ذلك فخمتَه، ولو كان في الأصل مكسورا، هذا هو المعول عليه عند جميع الحُذَّّاق، وبه قرأنا على جميع شيوخنا).
وبهذا يتبين للقارئ الكريم أن الصواب في هذه الكلمة التفخيم، وأن ترجيح الترقيق اجتهاد من بعض المتأخرين لم يحالفهم فيه الصواب، وهم مأجورون ـ إن شاء الله ـ على اجتهادهم، لكن لا يُتابعون على خطئهم.
وأنبه إخواني إلى أن هذا البحث مختصر، ذكر فيه الباحث خلاصة ما توصل إليه في هذا الموضوع، وإلا فالأمر عنده يحتمل أكثر من ذلك.
والله أسأل أن يجعل عملي خالصا لوجهه الكريم، وأن يوفقني وإخواني ـ من أهل القراءات ـ لتدبر كتابه العظيم، والعمل بما فيه، وأن يجعلنا من أهل الله وخاصته، إن ربي قريب مجيب.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه:
ضيف الله بن محمدالشمراني
يوم الخميس 23/ 4/1428هـ
ـ[عبد الله غريب]ــــــــ[10 - 12 - 07, 02:42 م]ـ
جزاك الله خيرا
ـ[أبو سفيان العامري]ــــــــ[10 - 12 - 07, 08:32 م]ـ
وإياك أخي الكريم
وإن كان لمشايخنا الكرام تعليق أو نقد فليفيدوني به جزاهم الله خيرا.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[10 - 12 - 07, 10:05 م]ـ
أخي جزاك الله خيراً
أليس أصل الكلمة (ونُذُرِي) مثلها مثل قوله تعالى: ((والليل إذا يَسرِ)) أصلها: (يَسري)؟
ألا يكون هذا وجهاً قوياً يؤيد قول من رقق الراء في الموضعين؟
ـ[أبو سفيان العامري]ــــــــ[11 - 12 - 07, 07:36 ص]ـ
شيخنا الفاضل أبايوسف التواب جزاكم الله خيرا
وضحت في البحث الفروق بين (نذر) و (يسر) فأمعن النظر فيما رقمته يتبين لك ذلك.
ـ[أبو يوسف التواب]ــــــــ[11 - 12 - 07, 07:47 ص]ـ
جزاك الله خيراً وبارك فيك
أقصد وفقك الله: إن قولك بأن الأصل هو التفخيم عارضه أن الأصل في الكلمة حال الوقف أنها مكسورة
فكون الأصلين قد تعارضا هو سبب الإشكال ..
وما دمت قد تتبعتَ كلام المتقدمين فيها وأنهم لم يتعرضوا للقول بترقيقها لا من قريب ولا من بعيد فلا شك أن هذا مرجِّح قوي .. ولعلي أتتبع ذلك في كتبهم إن سنحت لي فرصة.
جزاك الله خيراً
ـ[الخزرجي]ــــــــ[11 - 12 - 07, 11:44 م]ـ
يقول أحد مشيختنا: أن أحد المتنطعين يقول: من قرأ "نذر" بالترقيق فعليه لعنة الله إلى يوم القيامة!!
ـ[أبو سفيان العامري]ــــــــ[12 - 12 - 07, 08:55 م]ـ
لاأظن أحدا من أهل القرآن (حقا) تجري كلمة اللعن على لسانه
وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين المتنطعين.