أود أن أشارك اخواني في هذه المسألة, فمن العلماء من يرى بالوجوب منهم معالي الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه لبلوغ المرام
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة.
معنى الحديث:
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر حين الوضوء وهو رفع الحدث الأصغر بالطهارة المخصوصة أننا نبدأ باليمين يعني نبدأ باليمين في اليدين ونبدأ باليمين في القدمين، وهذا أمر منه -عليه الصلاة والسلام- في الوضوء خاصة.
لغة الحديث:
الميامن جمع ميمنة وهي الجهة اليمنى فكل شيء له جهتان يقال لأحدهما يمنى والأخرى يسرى، وسميت الجهة المستعملة، والفاضلة يمنى تبركا أو تفاؤلا باليمن، والأخرى يسرى تفاؤلا أيضا بالتيسير، فلم يسمها العرب تسمية قبيحة، وإنما فضلوا اليمن على اليسر، ولهذا جعلوا أحدهما يمنى والأخرى شمالا أو يسرى.
درجة الحديث:
الحديث صحيح صحَّحه جمع من أهل العلم وبعض أهل العلم ضعَّفه لكن الصواب صحته؛ لأن رجاله ثقات، وليس به شذوذ ولا علة؛ وهو متصل فلذلك صحته ظاهرة فهو حقيق بأن يصحح كما قال بعض أهل العلم.
من أحكام الحديث:
أولا: قوله -عليه الصلاة والسلام- إذا توضأتم فيه تعليق لما سيأتي من الأمر البداءة باليمين بالوضوء، وهذا تعليق ظاهر الدلالة من جهة أن الحكم الذي سيأتي في الوضوء خاصة فقوله: إذا توضأتم أخص مما لو قال: إذا تطهرتم فإذا الأمر في البداية بالميامن هذا في الوضوء كما هو ظاهر اللفظ هنا.
ثانيا: قوله: "فابدءوا". هذا أمر، والأمر الأصل فيه أنه للوجوب ولا صارف له هنا من الوجوب إلا ما قاله بعض أهل العلم كما سيأتي في الخلاف.
فقوله: "فابدءوا" هذا الأمر احتج به على أن البداية باليمين في أعضاء الوضوء واجبة وأعضاء الوضوء: الوجه واليدان والرأس والرجلان أما الوجه والرأس فلم يدخلا في ذلك باتفاق أهل العلم؛ لأنه يستعمل فيهما يعني في الوضوء يستعمل فيهما اليدان جميعا، الوجه يغسل باليدين والرأس يمسح باليدين جميعًا وهذا يعم الوجه بجهتيه، ويعم الرأس بجهتيه فإذن بقي تقديم اليمين في الأمر به أن المراد به تقديم اليد اليمنى على الأخرى والقدم اليمنى الرجل اليمنى على الأخرى.
وكما ذكرت لك دل هذا على إيجاب ذلك، والعلماء اختلفوا في وجوب التيامن في اليد والرجل على أقوال أهمها قولان: الأول أنه يجب. والثاني: أنه يستحب ولا يجب.
أما حجة من قال بالوجوب فهو هذا الحديث، إذ فيه الأمر وأيضًا قالوا: قوَّى هذا أن النبي-عليه الصلاة والسلام- لما امتثل الأمر في قوله اغسلوا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ أنه لم ينقل عنه في حديث صحيح أنه بدأ باليسرى قبل اليمنى؛ بل كل سنته على أنه يبدأ باليمنى قبل اليسرى وهو امتثال للآية بقدر زائد صحيح لكنه يعني بقدر زائد على دلالتها؛ لأنه في الوصف لا في الحقيقة، لكنه قيد بقوله: إذا توضأتم فابدءوا بميامنكم.
وهذه المسألة تحتاج إلى مزيد من إيضاح، وإن كان كثير من المسائل لا نحتاج فيه إلى التطويل؛ لأجل ضيق الوقت والرغبة في أخذ أكبر قدر من الأحاديث. لكن نذكر لك أن بعض الأخوة استشكل أمس بعض المسائل، أن الآية فيها الأمر بغسل اليد قال: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وهذا مطلقه يحصل بغسل اليد.
أما صفة غسل اليد أو صفة تقديم إحدى اليدين على الأخرى فهذه صفة زائدة عن مسمى غسل اليد، فمسمى غسل اليدين يحصل بغسلهما، فما زاد عن المسمى فلا يدخل في الآية على الصحيح؛ لأن الدلك مثلا - دلك الذراع - ليس داخلا في الآية؛ لأنه صفة زائدة عما أمر به في الآية فالنبي -عليه الصلاة والسلام- دلك فلا نقول: الدلك واجب؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعله امتثالا للآية؛ لأنه فعله زائد عن الآية.
¥