ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، فكان صلّى الله عليه وسلّم ينهانا عن:
• التّسليم بالإشارة باليد والرّؤوس لأنّه من تحيّة أهل الكتاب ..
• وكان صلّى الله عليه وسلّم يسدل شعره، ثمّ رأى أهل الكتاب يسدلون ففرق شعره.
• ونهانا عن لباس كلباسهم ..
• وأجمعت الأمّة عبر القرون الماضية على التّأريخ الهجري الّذي يميّزها عن باقي الأمم، فالتّاريخ الهجري هو تاريخ المسلمين المعتمد الذي انعقد الإجماع على العمل به، وهو من شعائر أهل الإسلام، والرغبة عنه إلى غيره من تواريخ الشرق أو الغرب خروج عن الإجماع وإظهار شعار من شعائر الكفار واستغناء به ومشاركة في طمس الهوية الإسلامية.
ولا يمكن أن تستقيم عبادات هذه الأمة الّتي أمرها بها خالقُها إلاّ بالتاريخ الهجري، وغيره لا يصلح لنا.
• ونهانا الشّرع عن التكلّم بلسانهم لغير ضرورة أو حاجة أو تبيين .. فإنّ التكلّم بغير لغة العرب دليل على ميل القلب إلى حياة شرّ البريّة، وقد قرّر ابن تيمية رحمه الله في " اقتضاء الصّراط المستقيم " بأنّ المتكلّم بلغة غير أهل الإسلام وهو قادر ففيه شعبة من النفاق ..
والعجيب أنّ المسلمين ما تفطّنوا لمثل هذا الكلام وظنّوه تشدّدا في الإسلام، حتّى قرّره الكفرة اللّئام فقالوا حينها: هذا هو الكلام ..
الشّاهد أيّها الإخوة الكرام أنّ الّذي يجهل مثل هذه الأحكام، والّّذي يجهل مثل هذه النّصوص، ويجهل كيف كان موقف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من أهل الكفر .. من جهِل كلّ ذلك سهُل عليه الوقوع في التشبّه بهم، بل وتفضيلهم على المؤمنين.
ومن الأسباب أيضا التي جعلت هذه الأعياد تظهر في مجتمعاتنا:
5 - السّبب الخامس: الغفلة والتغافل والجهل والتّجاهل عما يُكاد للمسلمين.
ولا أقول: ما يُكاد في الظّلام، بل في رابعة النّهار، فقد صاروا يجهرون بالعداوة ولا يُسرّون .. ويكيدون ولا يسترون ..
ألا ترون أنّهم في كلّ بلد مسلم يصولون ويجولون؟!
ألا ترون إلى المذابح التي حدثت على مرور هذه القرون؟؟
ألم يقل الله تعالى: ((وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [البقرة: من الآية217]؟!
ألم يقل الله تعالى: ((إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)) [الممتحنة:2]. ألم يقل الله تعالى: ((مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)) [البقرة:105].
نعم .. زرعوا في المسلمين بُغض اليهود، ولكنّه بغضٌ قوميّ ليس قائما على شرع الله ..
بدليل أنّ جُلَّ المسلمين يتعاطفون مع النّصارى وهم الّذين مهّدوا لليهود الدّخول إلى الأراضي المقدّسة؟!
أليس النّصارى هم الّذين قاموا بالحروب الصّليبيّة على مدى القرون الماضية؟!
ولكن كما قال تعالى: ((فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)) [الحج: من الآية46].
6 - السّبب السّادس: إقامة كثير من المسلمين في بلاد الكافرين ..
نعم .. هذا سبب ظاهر، لأنّ المعادلة تقضي بأنّه لا بدّ أن يكون في بلاد الإسلام جالية لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم ما دام هناك جالية مسلمة في بلاد الكفر، فتحدُثُ المساومة: فإذا كان المسلمون يحتفلون بأعيادهم الدّينيّة هناك، فإنّه كذلك لا بدّ للكافرين أن يحتفلوا بأعيادهم هنا .. فتظهر مظاهر الكفر في كثير من بلاد المسلمين والله المستعان.
7 - السّبب السّابع: حبّ الشّهوات ...
هناك صنف من المسلمين، لو سمع كلّ آية وحديث لأصرّ على التشبّه بالكفّار المخانيث ..
يريد اللّهو .. ويحبّ اللّعب والزّهو .. حتّى إذا ظهرت مناسباتهم وأعيادهم قال: وهل يُعقل أن أُفوّت فرصة كهذه؟! .. سهرات في غناء ومجون، وفسق وفتون .. وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ..
فهؤلاء أعظم آلة تنشر هذه المظاهر الكفريّة، والبدع الشّركيّة.
8 - السّبب الثّامن: وأخيرا، فإنّ من أسباب انتشار هذا المنكر، ضعف الإعلام الشّرعي ...
فلا بدّ من دروس وخطب، ومحاضرات وندوات تبيّن وتُحيِي عقيدة الولاء والبراء في المسلمين، ولا بدّ من إنشاء صحف ومجلاّت تزرع الوعي بين المؤمنين، فإنّ الإعلام الشّرعي منعدم، وجاء بدله الإعلام الذي يدعو إلى كلّ أسباب الهلاك، وخاصّة عن طريق المقعّرات الهوائيّة، والمجلاّت، والأفلام، التي تقرّب إلى المسلمين ما يجب أن يكون عنهم بعيدا.
نسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بالهداية، وأن يُجنّبنا طرق الغواية، إنّه وليّ ذلك والقادر عليه.