تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فصل: والهدي الواجب بغير النذر ينقسم قسمين؛ منصوص عليه، ومقيس على المنصوص.

فأما المنصوص عليه فأربعة، اثنان على الترتيب، والواجب فيهما ما استيسر من الهدي، وأقله شاة، أو سبع بدنة، أحدهما دم المتعة، قال الله تعالى: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم}.

والثاني، دم الإحصار، قال الله تعالى {فما استيسر من الهدي}.

وهو على الترتيب أيضا، إن لم يجده انتقل إلى صيام عشرة أيام.وإنما وجب ترتيبه؛ لأن الله تعالى أمر به معينا من غير تخيير، فاقتضى تعيينه الوجوب، وأن لا ينتقل عنه إلا عند العجز، كسائر الواجبات المعينة، فإن لم يجده، انتقل إلى صيام عشرة أيام بالقياس على دم المتعة، إلا أنه لا يحل حتى يصومها.

وهذا قول الشافعي.

وقال مالك، وأبو حنيفة لا بدل له؛ لأنه لم يذكر في القرآن.

وهذا لا يلزم، فإن عدم ذكره لا يمنع قياسه على نظيره.

واثنان مخيران؛ أحدهما، فدية الأذى، قال الله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك}.

الثاني، جزاء الصيد، وهو على التخيير أيضا بقوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما}.

القسم الثاني، ما ليس بمنصوص عليه، فيقاس على أشبه المنصوص عليه به، فهدي المتعة وجب للترفه بترك أحد السفرين، وقضائه النسكين في سفر واحد، ويقاس عليه أيضا دم الفوات فيجب عليه مثل دم المتعة.

وبدله مثل بدله، وهو صيام عشرة أيام، إلا أنه لا يمكن أن يكون ثلاثة قبل يوم النحر، لأن الفوات إنما يكون بفوات ليلة النحر، لأنه ترك بعض ما اقتضاه إحرامه، فصار كالتارك لأحد السفرين.

فإن قيل: فهلا ألحقتموه بهدي الإحصار، فإنه أشبه به، إذ هو حلال من إحرامه قبل إتمامه؟ قلنا: أما الهدي فهما فيه سواء، وأما البدل فإن الإحصار ليس بمنصوص على البدل فيه، وإنما يثبت قياسا، فقياس هذا على الأصل المنصوص عليه أولى من قياسه على فرعه، على أن الصيام هاهنا مثل الصيام عن دم الإحصار، وهو عشرة أيام أيضا، إلا أن صيام الإحصار يجب أن يكون قبل حله، وهذا يجوز فعله قبل حله وبعده، وهو أيضا مقارن لصوم المتعة؛ لأن الثلاثة في المتعة يستحب أن يكون آخرها يوم عرفة، وهذا يكون بعد فوات عرفة.

والخرقي إنما جعل الصوم عن هدي الفوات مثل الصوم عن جزاء الصيد عن كل مد يوما.

والمروي عن عمر وابنه مثل ما ذكرنا.

ويقاس عليه أيضا كل دم وجب لترك واجب، كدم القران، وترك الإحرام من الميقات، والوقوف بعرفة إلى غروب الشمس، والمبيت بمزدلفة، والرمي، والمبيت ليالي منى بها، وطواف الوداع، فالواجب فيه ما استيسر من الهدي، فإن لم يجد فصيام عشرة أيام.

ـ[عبد الباسط بن يوسف الغريب]ــــــــ[15 - 12 - 07, 07:50 ص]ـ

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:

مسألة: قال في الروض: "والدم الواجب لفوات، أو ترك واجب كمتعة"، أي: كدم المتعة.

قال رحمه الله: الفوات أن يطلع فجر يوم النحر قبل أن يقف بعرفة، فيفوته الحج، ويلزمه دم لفواته إذا لم يكن اشترط، وكذا الدم الواجب لترك واجب إذا عدمه يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع

ثم قال:

لعلنا لا نعارض في وجوب الدم على من ترك الواجب، بمعنى عسى أن نلزمه بالدم؛ لأنه لا دليل على إيجاب الدم على من ترك الواجب إلا أثر ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: "من نسي شيئاً من نسكه، أو تركه فليهرق دماً"، فالرسول - عليه الصلاة والسلام - لم يرد عنه أن من ترك واجباً فعليه دم.

لكن هذا الأثر تلقاه العلماء بالقبول، وقالوا: من ترك شيئاً من نسكه فعليه دم، مع أنهم لا يقولون بإطلاقه، ولو قلنا بإطلاقه، لقلنا من ترك الاضطباع فعليه دم، ومن ترك صلاة ركعتين خلف المقام فعليه دم، ومن ترك الوقوف عند المشعر الحرام حتى يسفر فعليه دم، فيحملونه على من ترك شيئاً من نسكه الواجب أو نسيه.

قالوا: وله، - أي: لأثر ابن عباس - حكم الرفع، ولكن قد يقال: هذا ليس له حكم الرفع؛ لأن ما يثبت له حكم الرفع ما قاله الصحابي وليس للرأي فيه مجال، وهنا ربما يكون للرأي فيه مجال، فربما يرى ابن عباس - رضي الله عنهما -، أنه إذا كان انتهاك النسك بفعل المحظور موجباً للدم، فانتهاك النسك بترك المأمور مثله، فيكون للرأي فيه مجال.

فلا يستقيم الاستدلال به على وجوب الدم بترك الواجب، أو صيام عشرة أيام على من عدمه.

والذي يظهر لي أن من ترك واجباً فعليه دم احتياطاً واستصلاحاً للناس؛ لأن كثيراً منهم قد يتساهل إذا لم يكن عليه شيء، فإن لم يجد فليس عليه شيء؛ لأن الإيجاب على العباد ليس هيناً، فإيجاب ما لم يجب كتحريم ما لم يحرم، بل قد يكون أشد؛ لأنك تشغل ذمة العبد بما أوجبت بلا دليل.

فهذه قاعدة ينبغي أن تكون على بال طالب العلم: "أن الإيجاب بلا دليل كالتحريم بلا دليل".

الشرح الممتع

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير