استدلوا أول ما استدلوا بكتاب الله -تبارك وتعالى- وبقوله: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [المائدة: 90]؛ وجه الدلالة من هذا: أن الله -تبارك وتعالى- سمى الخمر رجسا، والرجس في اللغة وفي لسان الشرع: يطلق على النجس، والنجس محرم ولا يضرنا اقتران الميسر والأنصاب والأزلام بالخمر في القول بنجاسة الخمر، لأن هذا الاقتران لا يدل على عدم نجاسة الخمر ولا يدل على نجاسة هذه الأشياء التي اقترنت بها، لأنها خرجت بالإجماع، خرجت عن حكم التنجيس بالإجماع، لأنه وقع الإجماع على طهارة الميسر والأنصاب والأزلام وكل ما يستعمل في هذه الأشياء تقع هذه الأشياء جميعا طاهرة باتفاق العلماء ولا يضرنا، يبقى الخمر على الأصل وهو نجس وهذه الثلاثة خرجت بالإجماع.
الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- يقول في تفسيره يفهم من هذه الآية: ? إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ ?؛ أن الخمر نجس العين لأن الله تعالى قال إنها رجس والرجس في كلام العرب كل مستقذر تعافه النفس، وقيل: إن أصله من الركس وهو العذرة والنتن والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما جيء له بروثة حمار قال إنها ركس بالكاف.
واستدلوا أيضا بقول الله تعالى: ? وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ? [الإنسان: 21]؛ وهذا في سياق الإمتنان على أهل الجنة بطهورية خمرها فالله -تبارك وتعالى- وصف شراب أهل الجنة من الخمر بأنها طاهرة وطهور، وهذا يدل بمفهوم المخالفة على أن خمر الدنيا ماذا؟
نجسة
أن خمر الدنيا تكون نجسة بمفهوم المخالفة، وأنت ترى هذا، فالله -عز وجل- ذكر أوصاف خمر الدنيا فذكر أن أهلها يصدعون منها وأما أهل الجنة في شرابهم فلهم شراب ? لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ ? [الصافات: 47]؛ فهذا الشراب الطاهر المبارك في الجنة يخالف هذا الشرب الذي وصف بقول الله تعالى: ? لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ ? [الواقعة: 19].
إذن هذا كله منفي في الجنة، وهذا يدل بمفهوم المخالفة أنه واقع في الدنيا، وعليه فإن شراب أهل الدنيا لا يكون طاهرا ولا طهورا.
ثم من السنة النبوية حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله تعالى عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر)؛ ثم جاء السؤال: كيف يصنعون بهذه الآنية وهذه القدور إذا وقعت في أيديهم؟
فقال النبي: إذا وجدتم غيرها فكلوا منها واشربوا -أي غير هذه الآنية- وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء يعني اغسلوها بالماء وكلوا واشربوا. فأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بغسل هذه الآنية بالماء قبل استعمالها وهذا يدل على تنجس هذه الآنية بما خالطها.
وفي رواية: عند أحمد أنه قال يا نبي الله إن أرضنا أرض أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف أصنع بآنيتهم وقدورهم؟ فقال لا: لا أي لا تفعلوا إن لم تجدوا غيرها فأمرهم -صلى الله عليه وسلم- بأن يرحضوها يرحضوها يعني يغسلوها بالماء فقال فارحضوها واطبخوا فيها واشربوا يعني استعملوا القدور والآنية دل هذا أيضا على تنجس هذه الآنية بما يخالطها من طعام أهل الكتاب الذي يطبخون فيه الخنزير وشرابهم الذي يشربون منه ومعه الخمر.
ثم إن عمر -رضي الله تعالى عنه- بلغه أن خالدا بن والوليد استعمل شيئا في بلد من البلاد التي فتحها خالد فيه شيء يعجن بالخمر ثم يدلك به الجسم فلما بلغ ذلك الفاروق -رضي الله تعالى عنه- كتب إليه فقال: إن الله قد حرم ظاهر الخمر وباطنه كما حرم ظاهر الإثم وباطنه ثم قال فلا تمسوها أجسادكم، فلا تمسوا أجسادكم بشيء من هذه الخمر فإنها نجسة، فإذا فعلتم فلا تعودوا.
فإنها نجسة وفيها تصريح أو فيها فتوى عمر -رضي الله تعالى عنه- بنجاسة الخمر نجاسة حسية، نجاسة أعيان.
ومن الأدلة التي يستدل بها من المعقول: أن هذه الخمر يعني حكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها لأن الله -تبارك وتعالى- قال: ?فَاجْتَنِبُوه?؛ والاجتناب فيه المبالغة في الترك وهذا يقتضي التحريم.
استدل القائلون بطهارتها بأدلة منها:
¥