فقد رواه أبو ذرّ – راوِيَةُ " صحيح البخاري " – فقال: حدثنا العباس بن فضل، قال: حدثنا الحسين بن إدريس، قال: حدثنا هشام بن عمّار، وساقه بتمامه.
وكذلك رواه الحسن بن سفيان - ومن طريقه: أبو بكر الإسماعيلي في" مستخرجه " - عن هشام بن عمار به.
وكذلك قد رواه الطبراني في " معجمه " من حديث جعفر بن محمد الفريابي، وموسى بن سهل الجوني عن هشام بن عمّار عن صدقه بن خالد به.
وكذلك قد رواه أبو نعيم في " مستخرجه " من حديث أبي بكر الباغندي وعبدان بن محمد المروزي عن هشام بن عمّار به.
وكذلك قد رواه ابن حبان في " الصحيح " من حديث الحسين بن عبد الله القطان عن هشام بن عمّار به.
وكذلك قد رواه الطبراني في " مسند الشاميين " من حديث محمد بن يزيد بن عبد الصمد عن هشام بن عمار به.
وكلّها أسانيد صحيحة عن هشام بن عمار، وهذا الحديث صحيح بلا ريب.
وأما من أعلّه بـ صدقة بن خالد فيجاب عنه بأنه قد تابعه (بشر بن بكر) عند أبي داود في " سننه " عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عطية بن قيس عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن أبي مالك أو أبي عامر.
وقد رواه البيهقي والإسماعيلي في " الصحيح " من حديث بشر بن بكر بتمامه, كما رواه الإمام البخاري.
وإن كان أبو داود قد رواه في " سننه " مختصراً، إلا أنه بتمامه, وتمام سياقه قد جاء عند البيهقي، وعند أبي بكر الإسماعيلي بذكر (المعازف).
وقد أعلّه ابن حزم أيضاً بالاضطراب في إسناده، وذلك أن الراوي قال: حدثني أبو مالك أو أبو عامر الأشعري.
قال: ولم يضبط اسمه، مما يدل على أنه مجهول، فهو مردود.
ومنهج ابن حزم الأندلسي أنه لا يقبل المجاهيل ممن لم يسمَّ من الصحابة، وهذا قول مردود، ولا حجّة به، ولا أعلم أحداً من المعتبرين من الأئمة النّقاد من ردَّ مجاهيل الصحابة، بل هم مقبولون قاطبة.
ومازال العلماء قاطبة يحتجّون بمجاهيل الصحابة، كيف وقد سُمّو وعُرِفُوا؛ فأبو مالك الأشعري: صحابي مشهور.
والصواب أن الإسناد إليه، وأن الوهم من عطية بن قيس، ولذلك أخرج الحديث الإمام أحمد في " مسنده " وابن أبي شيبة في " مصنفه "، والبخاري في " التاريخ الكبير " من حديث مالك بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن غَنْمٍ عن أبي مالك الأشعري عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((ليشربنّ أُناس من أُمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، تغدو عليهم القيان وتروح عليهم المعازف)).
وجزم بذلك الإمام البخاري- رحمه الله- كما في " التاريخ " وقال: (إنما يُعْرف عن أبي مالك الأشعري) أي: من غير شك وهو الصواب.
وعلى كلٍّ فردُّ ابن حزم الأندلسي لهذا الحديث بجهالة الصحابي وعدم الجزم به ليس في محله.
وابن حزم الأندلسي رغم جلالته وفضله وعلمه وحفظه وسعةِ إدراكه؛ إلا أنّه كثير الوهم والغلط في الرواة، ولذلك رد بعض الأحاديث الصحيحة، وحكم بالوضع على بعض الأحاديث في الصحيحين، وله رسالة ذكر فيها حديثين، وجعلهما موضوعَين، وحكم عليهما بالكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهما في الصحيحين.
وقد نص الأئمة على وهم ابن حزم وغلطه في هذا الباب, كما نص عليه ابن عبد الهادي في كتابة " طبقات علماء الحديث ".
وكذلك قد نص عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله في كتابة " التهذيب " وكذلك في " اللسان " وكذلك في " الفتح ".ولما ترجم الحافظ ابن حجر للإمام الترمذي في كتابه " تهذيب التهذيب " قال: (قال ابن حزم: محمد بن عيسى بن سَورَة الترمذي مجهول).
قال ابن حجر: (وأما ابن حزم فقد نادى على نفسه بعدم الاطلاع).
وقد يقول قائل أنه لم يعرفه ولم يطّلع على شيء من كتبه، ولا على سعة حفظه، فإن ابن حزم قد حكم بالجهالة على أُناسٍ من الأئمة معروفين، كأبي القاسم البغوي، وإسماعيل بن محمد الصفار، وابي العباس الأصم وغيرهم.
ومن قاعدة ابن حزم الأندلسي- رحمه الله-: أن من لم يعرفه بداهة يحكم عليه بالجهالة، وقد حكم على رواةٍ كُثُرٍ، وقد تتبّعها بعض الأئمة في مصنّف, وهو الحافظ قطب الدين الحلبي ثم المصري من (المحلى)، ولا أعلم أهو مطبوع أم لا؟
ومن نظر في كتاب " المحلّى " ونظر إلى من حكم عليه بالجهالة من الرواة المعروفين عرف ذلك، بل حتى من الصحابة، فقد حكم على يعلى بن مرّه أنه مجهول، وهو صحابي معروف.
ولذلك قال الزيلعي رحمه الله- حينما علّق على أوهام بن حزم في ردّه للأحاديث الصحيحة الصريحة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحكمه على أحاديث بأنها معلولة وهي ظاهرة الصحة- قال الزيلعي: (ولابن حزم من ذلك مواضع كثيرة جداً من الوهم والغلط في أسماء الرواة).
يقول ابن القيم في كتابه "الفروسية": (تصحيحه للأحاديث المعلولة، وإنكاره لتعليلها نظير إنكاره للمعاني والمناسبات، والأقيسة التي يستوي فيها الأصل والفرع من كل وجه، والرجل يصحح ما أجمع أهل الحديث على ضعفه, وهذا بين في كتبه لمن تأمله). الغناء في الميزان ص 11
والله أعلم ..
¥