فليس من تنزيه كتاب الله تعالى وتوقيره أن يرفع الإمام صوته بالقرآن من خلال أجهزة المكبرات الخارجية، فهذا من الجهر المكروه إن لم يكن من الجهر المحرم، وهو من المضارة بالقرآن الكريم.
مسألة: هل يوجد في الشرع ما يدل على استحباب استعمال هذه المكبرات في الصلاة، والجهر بالقرآن الكريم بها؟
أقول – وبالله التوفيق – أن في القرآن الكريم والسنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ما يدل على المنع من استخدام المكبرات الصوتية الخارجية في غير الأذان.
فمن أدلة القرآن الكريم:
قول الله U : ] ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين [الأعراف (55) وقوله تعالى عن عبده الصالح زكريا u ، وكيف كان يدعوه، وصفة صلاته] ذكر رحمت ربك عبده زكريا % إذ نادى ربه نداءً خفياً [مريم (2، 3) وقوله U : ] واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال، ولا تكن من الغافلين [الأعراف (205).
ففي هذه الآيات الكريمات دلالة وإرشاد إلى أنه يجب أن تكون صلاتنا بخشوع وتضرع وخوف وسكينة، وخفية، لا بالضجيج والصياح والصراخ، والجهر الزائد عن قدر الحاجة، فالأصل في الصلاة السرية الإسرار، وفي الجهرية الجهر اليسير الذي يكون بقدر الحاجة من إسماع المأمومين، أو تنشيط على قيام الليل، بحيث لا يخرج عن آداب الضراعة والخوف من الله سبحانه وتعالى، فيكون الدعاء أو الصلاة أبعد عن الرياء والسمعة، وأقرب إلى الإخلاص والقبول، وفي الجهر بالصلاة أو القرآن أو الدعاء وغير ذلك عبر هذه المكبرات مخالفة صريحة لهذه النصوص الكريمة، فنحن ندعو سميعاً قريباً مجيباً لا أصم غائباً.
من أدلة السنة النبوية:
ومن أدلة السنة النبوية على المنع من استعمال المكبرات الصوتية الخارجية في غير الأذان.
ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في وصف قراءة رسول الله r في قيام الليل، قال: "كانت قراءة النبي r على قدر ما يسمعه من في الحجرة وهو في البيت" أخرجه أبو داود، كتاب التطوع، باب في صلاة الليل، وقال عنه الألباني حسن صحيح.
فإذا كان هذا هو هدية عليه الصلاة والسلام لاسيما في صلاة الليل، وهو الأسوة، يسمعه من كان في الحجرة، ولا يبلغ ذلك، ولا يجهر بقراءته إلى كل من في البيت، فحرى بالمسلمين اليوم أن يهتدوا بهديه ويعملوا بسنته، ولا يؤذون النائمين وغيرهم بواسطة هذه المكبرات.
وعند أبي داود أنه r اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: " ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذيين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة " رواه أبو داود، كتاب التطوع، بابٌ في صلاة الليل، والحديث صححه للألباني.
وهذا إذا كان الجهر لا يؤذي أحداً، أو لا يشوش على أحد، وفيه مصلحة وحاجة، وإلاّ فإن الله U يقول:] إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها أو تؤتوها الفقراء فهو خير لكم، ويكفر عنكم من سيئاتكم، والله بما تعملون خبير [البقرة (271).
فالإخفاء خير لنا وأبعد عن الرياء المحبط للأعمال، وهو سبحانه عليم خبير بأحوال عباده وأعمالهم، سواء من أسر منهم القول أو جهر به.
فهذه الأحاديث نصوص قاطعة، مؤيدة لما ذكرت من عدم استحباب استعمال هذه المكبرات في غير الأذان، وأن الأصل هو عدم رفع الصوت بالذكر والقراءة والدعاء، إلاّ بالقدر الذي ورد للمصلحة أو الحاجة كما أسلفنا.
كما أن هناك أيضاً نصوص أخرى قد يستدل بها على المنع من الصلاة بهذه المكبرات ومنها:
ما رواه البخاري – رحمه الله – عن أنس t قال: (كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها فقال لها النبي r : " أميطي قرامك فإنه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي " كتاب الصلاة، باب: إن صلى في ثوب مصلّب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟ وما ينهى عن ذلك.
فتأمل – رحمك الله – الحديث، حيث أن فيه دليل على أن كل ما يشغل المصلي، أو يشوش عليه يجب أن يزال، ومن ذلك المكبرات الصوتية لغير الأذان.
ومما قد يستدل به على المنع أيضاً ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة t أن رسول الله r انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: " هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟ " فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: " إني أقول مالي أنازع القرآن " رواه أبو داود، كتاب الصلاة، باب: من كره القراءة بفاتحة الكتاب إذا جهر الإمام. والحديث صححه الألباني.
¥