تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[إعجاز الحجاج في القرآن الكريم-2 -]

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[15 - 12 - 07, 10:16 م]ـ

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ..

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} البقرة91

1 - "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ"

للتعبير بصيغة البناء للمجهول- "قيل"- مقصدية بلاغية حجاجية باهرة، فمن المعروف أن الخصم المجادل بالباطل لا يفتأ يبحث عن منافذ للمناورة، وافتعال قضايا هامشية لتناسي موضوع المناظرة .. فيجب على المناظر هنا سد جميع الثغرات وتقليل العبارات ما أمكن لتقليل فرص المراوغة ...

والدرس في الآية بليغ من هذه الجهة:

ذكر القرآن القول، وطوى صفة القائل ... ليقيد اليهود –المحجوجين-بفحوى القول وحده ويفوت عليهم فرصة نقل المناظرة من الفكرة إلى الشخص ...

فلو قيل" قال فلان كذا ... " (وسمي باسمه) فلربما طعنوا في أخلاق القائل، أو نقلوا عنه من موضع آخر ما يخالف قوله الحالي .. فيضطر المناظر إلى تعليق الكلام على مضمون الفكرة، لفتح مواضيع في الجرح والتعديل، أو تحقيق النصوص .. وقد يتشجر الكلام فلا يعودون إلى الموضوع الأصلي أبدا ...

"آمنوا بما أنزل الله"

هذا ما ينبغي قبوله أو رفضه، لا غير ...

2 - "آمنوا بما أنزل الله"

الآية جمعت الدعوى والدليل معا، لتحقيق مقصد الإيجاز ولقطع فرصة المناورة على اليهود كأن يلجؤوا إلى التهرب من الجواب عن السؤال بسؤال آخر ..

فلو قيل "آمنوا بالقرآن" مثلا-وهو المقصود أساسا-لقالوا:"ولم نؤمن بالقرآن؟ "

فتقول:"لأن الله أنزله.".وتكون قد ضيعت وقتا ثمينا في الفصل بين الدعوى ودليلها ..

وقد يثيرون تشكيكات تتعلق بمصدر القرآن ... فتضل المناظرة.

لكن صيغة القرآن: "آمنوا بما أنزل الله" لا يمكن أن يقابلها اليهود بسؤال:

"ولم نؤمن بما أنزل الله "لأن في هذا شهادة على أنفسهم بالكفر .. فتأمل!

ولأسلوب التعميم في عبارة "ما أنزل الله"نكت حجاجية أخرى:

-فمشكلة اليهود ليست في قبول القرآن أو رفضه بل مشكلتهم في التعالي على ربهم ورفض كل كتبه .. فقد كفروا بالإنجيل قبل القرآن .. وكفروا بالتوراة قبل الإنجيل أو على الأقل كفروا ببعضها ...

وهكذا فرضت الآية على اليهود مناقشة "مذهبهم في الوحي" وليس" موقفهم من القرآن" ..

فضلا عن الإشارة إلى تكرر سلوكهم عبر التاريخ كلما نزل كتاب من ربهم ... فتكون جريمة اليهود موصوفة بالعمد والإصرار وسبق الترصد ...

فانظر على هذا العطاء المتجدد لعبارة "ما أنزل الله"!!

3 - قَالُواْ نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا ..

آية مذهلة حقا في كشف نفسية اليهودي!

قيل لهم "ما أنزل الله" وقالوا "ما أنزل"فغيبوا اسم الجلالة وأحضروا أنفسهم "علينا"!!

فهذا اليهودي المستكبر لا يعنيه مصدر الكتاب المنزل بقدر ما يعنيه متلقي الكتاب ..

فليس الشأن أن تكون التوراة من عند الله بل الشأن كل الشأن أن تكون "شيئا"قوميا يهوديا ... فتقديس التوراة عندهم بالنظر إلى المستقبل لا المرسل .. فما يكون إقبالهم على التوراة واحتفاؤهم بها وتقديسهم لها إلا إقبالا واحتفاء وتقديسا لأنفسهم!!

العبادة للذات القومية لا لرب العالمين!!

دليل ذلك أن رب العالمين أنزل كتبا أخرى فما كان منهم إلا الإعراض والاستهزاء ..

4 - وَيَكْفُرونَ بِمَا وَرَاءهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ..

قيدت الآية الاسم الموصول بحالين:

-وهو الحق

-مصدقا لما معهم ..

وفائدة القيد الأول -على صعيد الحجاج- بيان فساد القلب ...

أما فائدة القيد الثاني فبيان فساد العقل ..

كفر اليهود بالقرآن فرع عن قاعدة متأصلة في نحيزتهم: هي كره الحق نفسه ...

هذا خلل في القلب ... له جذور في خبث الطبع والتكبر الأجوف .. فليس إنكارهم للقرآن إلا لصلته بالحق وليس لصفات أخرى .. ودليل ذلك أنهم كرهوا الإنجيل أيضا وقد نزل في ظروف غير ظروف نزول القرآن زمانا ومكانا وقوما ... فما القاسم المشترك بينهما إلا الحق ونزولهما بالحق من الحق!

مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ ...

هذا القيد يكشف فساد العقل والمنطق عند اليهود ...

هم يؤمنون بالتوراة-على حد زعمهم-

ويكفرون بالقرآن ...

مع أن القرآن يقول-من جملة ما يقول-:إن التوراة حق ..

فإن كذبوا بالقرآن ... فمعناه أن قول القرآن عن التوراة بأنها حق باطل في نظر اليهود ... فيؤول الأمر إلى أن يبطلوا التوراة نفسها .. لأنهم طعنوا في الشاهد الذي شهد بصحته ..

هو باختصار زوال للعقل بعد زوال للإيمان!

5 - قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاءَ اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ..

هذا أوان الإجهاز عليهم ...

فقتلهم الأنبياء دليل إضافي على أن عدواتهم هي لله وحده ...

فقد كفروا بالكتب ...

وقتلوا مبلغي الكتب ...

فالهدف واضح هو قطع كل الصلات بالله تعالى ...

والتعبير بأنبياء الله بدل رسل الله فيه نكتة بلاغية حجاجية بديعة:

فبناء على الفرق بين النبوة والرسالة في كون النبوة هي تلقي الوحي والرسالة هي تبليغه .. يكون قتلهم للأنبياء اعتبارا لجهة تلقي الوحي فقط .. فقتل الرسول قد يتوهم فيه سبب التشديد عليهم أوتكليفهم بالشرائع الثقيلة ... أما قتل النبي فلأنه جاءه من الله النبأ فقط .. فيتمحض عداؤهم لله أصلا ولمن لهم صلة به تبعا ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير