ولهذا قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ في تنبيه عظيم في الصلة ما بين تمام الدين وتمام الأمن قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ «والله والله ليتمن الله هذا الأمر يعني أمر الدين حتى تسير الضعينة من العراق -أو قال من صنعاء- إلى مكة لا تخشى إلى الله» الضعينة المرأة على راحلة وحدها، تسير كل هذه المسافة لا تخشى إلا الله، علق بهذا بماذا؟ بإتمام هذا الأمر فإذن تمام أمر الذين ومصلحة الناس في دنياهم متعلقة شرعا بتحقيق مصلحة الأمن، وحينئذ فمصلحة الأمن في حياة الناس ليست هي أمن للدولة، هي أمن الناس ولهذا المنوط بهذه المصلحة هو ولي الأمر.
[أهم واجبات ولي الأمر]
ولي الأمر أهم واجباته ثلاث واجبات:
الأول: تحقيق الدين.
الثاني: تحقيق الدفع؛ دفع العداء الخارجيين الذين يريدون بالأمة.
الثالث: تحقيق الأمن الداخلي.
هذه الواجبات العامة الثالث وفي كل واحدة تفصيلات في ذلك لكن ينزل هذا إلى أن يكون كل فرد مطالب لتحصيل دنياه ولتمام دنياه بأن يكون هناك تحقيق للأمن.
[من المصالح العليا للأمة في دنياها: انضباط الأمور الدينية كالقضاء واستقلالها]
أيضا من المصالح العليا للأمة المتعلقة بدنياها ولها صلة بدينها: أن تكون أمورهم منضبطة بلا شقاق ولا نزاع، وخاصة في الأمور الدينية، مثل مسائل الفتوى ومسائل القضاء.
إذا كان هناك اضطراب في القضاء أو اضطراب في الفتوى فإن المصالح الدنيوية للناس تضعف، صحيح أن الفتوى متعلقة ليست متعلقة بالدنيا؛ لكن هي ضبط الفتوى متعلق باجتماع الناس لأن وائتلافهم وتحقيق مصالحهم العامة الدنيوية والأخروية، كيف ذلك، القضاء واجب أن تكون جهات القضاء مستقلة في الشرع، بمعنى أن يكون القاضي في ما يحكم به وفيما يأتيه وفيما يفصل به في الحكومات يعني في الأقضية التي تأتيه والخصومات أن يكون مستقلا عن أي جهة تؤثر عليه، إذا كان هناك جهة تؤثر عليه فهذا يكون فيه قدح في مصلحة تتعلق بدنيا الناس وكذلك في دينهم؛ لأنه لم يؤخذ لذي الحق حقه من خصمه؛ بل يكون هذا يؤثر عليه وهذا يؤثر عليه، فاستقلال القضاء من أعظم المصالح وهيبة القضاء من أعظم المصالح التي نتوخاها في الشرع.
فإذا كان الأمر كذلك فوسيلة تحقيق هذه المصلحة العليا:
أولا: فيما هو منوط بالدولة عاما أن يكون القضاء مستقلا لا يتدخل فيه.
والأمر الثاني: يكون القاضي -سواء أكان القاضي في المحكمة أو التمييز أو مجلس القضاء الأعلى يعني الجهة التي يترتب على حكمها التنفيذ- أن ينفذ حكمها الشرعي بدون تأخير لأن هذا فيه قوة ومصالح الناس.
الأمر الثالث: أن لا يطعن في القاضي، وهذا منوط أيضا بالجهات عليا وكذلك بالناس والأفراد، فتحقيق مصالحكم أنتم أيها الناس في الدنيا بأن لا يتعرض للقاضي بالطعن، والآن تجد من أحاديث الناس ربما بعض الناس في مجالسهم يقول: القاضي فلان فعل كذا وهذا فيه كذا وهذا يأخذ كذا أعوذ بالله هذا فيه كذا. وإذا دققت في الكلام وجدته إما أن له هو قضية وما حُكم له فيما يشتهي، أو يكون هو متغرر أو متوهم يرى شيئا غير صحيح يظن ظنا ويذهب يقول فالطعن في القضاء أو في القضاة مضر بالمصالح العليا بالأمة؛ لأنه القاضي هو يجتهد في حكمه وقد يكون اجتهاده مصيبا وهو الأكثر وقد يخطئ في اجتهاده؛ لكن حكمه واجب التنفيذ.
[من المصالح العليا للأمة في دنياها: انضباط الأمور الدينية كالفتوى واستقلالها]
الجهة الثانية جهة الفتوى: فمن مصالح دنيا الناس أن تضبط لهم الفتوى، ما معنى ضبط الفتوى؟
الفتوى منوطة بأهل العلم الراسخين فيه، والأصل -كما قلت لكم- الأصل في الفتوى من يليها؟ يليها الإمام.
النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو نبي ومرسل عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ من جهة تبليغه للوحي؛ لكن من جهة ممارساته في دولة الإسلام في المدينة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ مارس أنواعا من المهام والصلاحيات -كما يقول أهل السياسة الشرعية-، تارة عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ يتصرف بكونه إماما ولي أمر، وتارة يتصرف لكونه قاضيا يفصل في الخصومات، وتارة يتصرف عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ بكونه مفتيا، وتارة يتصرف بكونه إماما لمسجده عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، وتارة يتصرف علا أنه زوج لزوجات ورب لأسرة، وتارة يتصرف على أنه مرشد وناصح ما يلزم.
¥