وكَوْنُهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ تَحَقُّقَ تَهْدِيدِهِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَوَى الطَّرَفَانِ لَكَانَ إكْرَاهًا. وَأَمَّا إنْ خَافَ وُقُوعَ التَّهْدِيدِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُهُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ. وَلَوْ أَرَادَ لِلْكُرْهِ وَإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَتَكَلَّمَ بِهِ وَقَعَ " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (5/ 489 - 490).
وسئلت اللجنة الدائمة:
كان بينه وبين زوجته سوء تفاهم، فأخذت بحلقه بحضرة نسيبها وأختها وطالبته بطلاقها، فطلقها مكرها على ذلك بقوله لها: طالقة طالقة؟
فأجابت اللجنة: " ذكر السائل: أنه طلق زوجته مكرها، وذلك حينما أخذت بحلقه، فإذا غلب على ظنه أنها جادة وخشي أن تفتك به أو تلحق به أذى يجحف به، لا يستطيع رده إلا بإجابتها إلى ما طلبت، وذلك بتطليقه إياها - فهذا يعتبر طلاق إكراه.
ما إذا كان فعلها معه لا يصل إلى حد الإكراه، حيث إنه يستطع تخليص نفسه دون أن يلحقه أذى، ومع ذلك استجاب لها وطلقها - فطلاقه واقع " انتهى ملخصا.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (20/ 42 - 43).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إنما يقع الطلاق إذا أراده الإنسان إرادةً حقيقية وكتبه بيده أو نطقه بلسانه مريداً له غير ملجأ إليه ولا مغلقٍ عليه ولا مكره، فهذا الذي يقع طلاقه " انتهى.
"فتاوى نور على الدرب" (10/ 359)
ثالثا:
ذهب جمهور العلماء إلى أنه إذا جاز للمكره أن يفعل شيئا، أو يقول قولا، حفاظا على دمه أو ماله أو عرضه، جاز له فعل ذلك ـ أيضا ـ أو قوله، حفاظا على دم أخيه، أو ماله، أو عرضه.
قال الإمام البخاري رحمه الله:
" باب يَمِينِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ إِنَّهُ أَخُوهُ، إِذَا خَافَ عَلَيْهِ الْقَتْلَ أَوْ نَحْوَهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مُكْرَهٍ يَخَافُ، فَإِنَّهُ يَذُبُّ عَنْهُ الْمَظَالِمَ وَيُقَاتِلُ دُونَهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ، فَإِنْ قَاتَلَ دُونَ الْمَظْلُومِ فَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ وَلاَ قِصَاصَ، وَإِنْ قِيلَ لَهُ لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ، أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ، أَوْ لَتَبِيعَنَّ عَبْدَكَ، أَوْ تُقِرُّ بِدَيْنٍ، أَوْ تَهَبُ هِبَةً وَتَحُلُّ عُقْدَةً، أَوْ لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ أَخَاكَ فِى الإِسْلاَمِ. وَسِعَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ».
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
قال بن بطال ما ملخصه: مراد البخاري أن من هدد بقتل والده أو بقتل أخيه في الإسلام إن لم يفعل شيئا من المعاصي، أو يقر على نفسه بدين ليس عليه، أو يهب شيئا لغيره بغير طيب نفس منه، أو يحل عقدا كالطلاق والعتاق بغير اختياره، أنه يفعل جميع ما هدد به لينجو أبوه من القتل، وكذا أخوه المسلم من الظلم ". انتهى. "فتح الباري" (12/ 339).
وعلى ذلك: فإذا كان الزوج يرى الجد من الزوجة في التهديد بقتل نفسها، وخاصة أنه سبق منها ما يدل على أنها من الممكن أن تضر بنفسها، أو تنفذ ما تقول، فطلقها خشية أن تنفذ وعيدها، وهو ـ مع ذلك ـ لم يقصد إيقاع الطلاق: فالراجح أن ما حصل من زوجته هو نوع من الإكراه الذي يمنع وقوع الطلاق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
" إذا أكره الإنسان على فعل محرم، فهل يترتب على هذا الفعل إثم أو فدية أو كفارة؟
الجواب: لا يترتب، ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) النحل/106. فإذا كان الرجل لا يؤاخذ في الإكراه على الكفر وهو أعظم المعاصي، فعدم مؤاخذته في الإكراه على ما دونه من باب أولى.
ما تقولون في رجل أجبرته زوجته على أن يطلقها، وقالت: إما أن تطلق وإما أن تقتل نفسها، وهي قادرة على أن تنفذ هذا، السكين بيدها، فطلق، هل يقع الطلاق أو لا؟
لا يقع الطلاق لأنه مكره.
كيف كان مكرهاً؟ لأنها تريد أن تقتل نفسها، وهي قادرة على أن تنفذ، وهذا من أشد ما يكون من الإكراه، لذلك نقول: لا يقع الطلاق، وهكذا جميع الأحكام لا تترتب على المكره " انتهى باختصار.
"دروس وفتاوى الحرم المدني" (ص/ 134)
وسئل أيضا رحمه الله:رجل تلبس بزوجته جنية تهدده بقتلها إن لم يطلقها، فيضطر أن يتلفظ بالطلاق أحياناً، فهل يقع؟
فأجاب: " طلاقه طلاق مكره، فلا يقع " انتهى."ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين" (ص/ 114)
والخلاصة: أن طلاق المرأة المذكور في السؤال لا يقع عليها، لأن زوجها مكره عليه، غير مريد له.
والله تعالى أعلم. http://www.islamqa.com/ar/ref/140506
¥