قال المصنف رحمه اللَّه تعالى: وهذا يدل على أنه أراد بلفظ الوجوب تأكيد استحبابه كما تقول حقك علي واجب والعدة دين بدليل أنه قرنه بما ليس بواجب بالإجماع وهو السواك والطيب انتهى.
وقد عرفناك ضعف دلالة الاقتران عن ذلك وغايتها الصلاحية لصرف الأوامر وأما صرف لفظ واجب وحق فلا والكلام قد سبق مبسوطًا في الذي قبله.
3 - وعن أبي هريرة: (عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يومًا يغسل فيه رأسه وجسده).
متفق عليه.
الحديث من أدلة القائلين بوجوب غسل الجمعة وقد تقدم الكلام عليه في أول الباب وقد بين في الروايات الأخر أن هذا اليوم هو يوم الجمعة.
4 - وعن ابن عمر أن عمر: (بينا هو قائم في الخطبة يوم الجمعة إذ دخل رجل من المهاجرين الأولين فناداه عمر: أية ساعة هذه فقال: إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد على أن توضأت قال: والوضوء أيضًا وقد علمت أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يأمر بالغسل).
متفق عليه.
الرجل المذكور هو عثمان كما بين في رواية لمسلم وغيره قال ابن عبد البر: ولا أعلم خلافًا في ذلك.
قوله: (أية ساعة هذه) قال ذلك توبيخًا له وإنكارًا لتأخره إلى هذا الوقت.
قوله: (والوضوء أيضًا) هو منصوب أي توضأت الوضوء قاله الأزهري وغيره وفيه إنكار ثان مضافًا إلى الأول أي الوضوء أيضًا اقتصرت عليه واخترته دون الغسل. والمعنى ما اكتفيت بتأخير الوقت وتفويت الفضيلة حتى تركت الغسل واقتصرت على الوضوء.
وجوز القرطبي الرفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف أي والوضوء أيضًا يقتصر عليه قال في الفتح: وأغرب السهيلي فقال: اتفق الرواة على الرفع لأن النصب يخرجه إلى معنى الإنكار يعني والوضوء لا يتنكر وجوابه ما تقدم.
والحديث من أدلة القائلين بالوجوب لقوله: كان يأمر وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه استحباب تفقد الإمام لرعيته وأمرهم بمصالح دينهم والإنكار على مخالف السنة وإن كان كبير القدر وجواز الإنكار في مجمع من الناس وجواز الكلام في الخطبة وحسن الاعتذار إلى ولاة الأمر.
وقد استدل بهذه القصة على عدم وجوب غسل الجمعة وقد عرفناك فيما سبق عدم صلاحيتها لذلك.
5 - وعن سمرة بن جندب: (أن نبي اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل).
رواه الخمسة إلا ابن ماجه فإنه رواه من حديث جابر بن سمرة.
الحديث أخرجه ابن خزيمة وحسنه الترمذي وقد روي عن قتادة عن الحسن عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم مرسلًا. قال في الإمام: من يحمل رواية الحسن عن سمرة على الاتصال يصحح هذا الحديث وهو مذهب علي بن المديني كما نقله عنه البخاري والترمذي والحاكم وغيرهم وقيل لم يسمع منه إلا حديث العقيقة وهو قول البزار وغيره وقيل لم يسمع منه شيئًا وإنما يحدث من كتابه.
وروي من طريق الحسن عن أبي هريرة أخرجه البزار وهو وهم كما قال الحافظ. وروي من طريق قتادة عن الحسن عن جابر. ومن طريق إبراهيم بن مهاجر عن الحسن عن أنس.
قال الحافظ: وهذا الاختلاف فيه على الحسن وعلى قتادة لا يضر لضعف من وهم فيه والصواب كما قال الدارقطني عن قتادة عن الحسن عن سمرة وكذا قال العقيلي.
ورواه ابن ماجه بسند ضعيف عن أنس. ورواه الطبراني من حديثه في الأوسط بإسناد أمثل من ابن ماجه. ورواه البيهقي بإسناد فيه نظر من حديث ابن عباس وبإسناد فيه انقطاع من حديث جابر. ورواه عبد بن حميد والبزار في مسنديهما. وكذلك إسحاق بن راهويه من حديثه بإسناد فيه ضعف من حديث أبي سعيد. وله طريق أخرى في التمهيد فيها الربيع بن بدر وهو ضعيف.
والحديث دليل لمن قال بعدم وجوب غسل الجمعة وقد ذكرنا تقرير الاستدلال به على ذلك والجواب عليه في أول الباب.
قوله: (فبها ونعمت) قال الأزهري: معناه فبالسنة أخذ ونعمت السنة قال الأصمعي: إنما ظهرت تاء التأنيث لإضمار السنة وقال الخطابي: ونعمت الخصلة. وقيل ونعمت الرخصة لأن السنة الغسل قاله أبو حامد الشاركي. وقال بعضهم: فبالفريضة أخذ ونعمت الفريضة.
¥