تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبما ذكرنا تعلم أن ما ذكر الله في الآية أنه من شعائر الله هو شخص الصفا وشخص المروة، أي: الحقيقة المعبر عنها بهذا العلم الشخصي، ولا يدخل شيء آخر البتة في ذلك لتعين المسمى بعلمه الشخصي دون غيره، كائنا ما كان، سواء كان الفراغ الكائن فوق المسمى المشخص بعلمه أو غير ذلك من الأماكن الأخرى. وإذا علمت ذلك فاعلم أن الله تعالى رتب بالفاء قوله {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (2) على كونهما من شعائر الله، وفي قوله تعالى: {أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (3) إجمال يحتاج إلى بيان كيفية التطوف ومكانه ومبدئه ومنتهاه.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا النص القرآني بالسعي بين الصفا والمروة، مبينا أن فعله المذكور واقع لبيان القرآن العظيم المذكور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «خذوا عني مناسككم» (4) وقوله: «أبدأ بما بدأ الله به» (5) يعني: الصفا في قوله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} (6) الآية،


(1) سورة البقرة الآية 158
(2) سورة البقرة الآية 158
(3) سورة البقرة الآية 158
(4) سنن النسائي مناسك الحج (3062).
(5) سنن ابن ماجه المناسك (3074) ,مسند أحمد بن حنبل (3/ 321) ,موطأ مالك الحج (836) ,سنن الدارمي المناسك (1850).
(6) سورة البقرة الآية 158

ومن جملة البيان المذكور بيان جواز السعي حالة الركوب على الراحلة، ففعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو سعيه بين الصفا والمروة مبينا لذلك مراد الله في كتابه لا يجوز العدول عنه في كيفيته ولا عدده ولا مكانه ولا مبدئه ولا منتهاه إلا بدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة.
ولا شك أن المسعى الجديد الكائن فوق السقف المرتفع الذي فوق المسعى النبوي المبين بالسعي فيه معنى القرآن غير المسعى النبوي المذكور، ومغايرته له من الضروريات؛ لأنه مما لا نزاع فيه أن المتضايفين اللذين تستلزمهما كل صفة إضافية متباينان تباين المقابلة لا تباين المخالفة، ومعلوم أن المتباينين تباين المقابلة بينهما غاية المنافاة؛ لتنافيهما في حقيقتيهما، واستحالة اجتماعهما في محل آخر.
ومعلوم أن المتباينات هذا التباين التقابلي التي بينها منتهى المنافاة أربعة أنواع: هي: التقابل بين النقيضين، والتقابل بين الضدين، والتقابل بين المتضايفين، والتقابل بين العدم والملكة، كما هو معلوم في محله. فكما أن الشيء الواحد يستحيل أن يتصف بالوجود والعدم في وقت واحد من جهة واحدة، وكما أن النقطة البسيطة من اللون يستحيل أن تكون بيضاء سوداء في وقت واحد، وأن العين الواحدة يستحيل أن تكون عمياء مبصرة في وقت واحد، فكذلك يستحيل أن يكون الشيء الواحد فوق هذا وتحته في وقت واحد. فالمسعى الذي فوق السقف يستحيل أن يكون هو المسعى الذي تحت السقف. فهو غيره قطعا، كما هو الشأن في كل متضايفين وكل متباينين تباين تقابل أو مخالفة.
وإذا حققت بهذا أن المسعى الذي فوق السقف مغاير في ذاته لحقيقة المسعى الذي تحت السقف، وعلمت أن السعي في المسعى الذي
تحت السقف هو الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم مبينا بالسعي فيه مراد الله في كتابه قائلا: «خذوا عني مناسككم» (1) وأن أفعاله صلى الله عليه وسلم المبينة للقرآن لا يجوز العدول عنها لبدل آخر إلا لدليل يجب الرجوع إليه من كتاب أو سنة - علمت بذلك أن العدول بالسعي عن المسعى النبوي إلى المسعى الجديد الكائن فوق السقف الذي فوق الصفا والمروة يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو سنة رسوله، ويحتاج جدا إلى معرفة من أخذ عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرنا بأخذ مناسكنا عنه هو وحده صلى الله عليه وسلم، ولم يأذن لنا في أخذها عن زيد ولا عمرو.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير