تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن بين تلك الأصول التي بنا عليها الإمام مالك مذهبه وفقهه: ((كلًّ يؤخذُ من كلامه ويردُّ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم)) ولو كنّا مضطرين إلى الإلتزام بأقوال وفتاوى ومذهب شخص بعينه بحيث لا نخرج عمّا يُقرّرهُ هذا الشخص قيد أُنمُلَة لالتزمنا بمذهب من هو أعلم من مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد ابن حنبل وغيرهم ممّن جاء بعدهم- وهم الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم رحمهم الله تعالى.

فكيف نُعرض عن الفاضل إلى المفضول؟؟

قال الحافظ أبو محمد ابن حزم رحمه الله (المحلى1/ 168 دار الآفاق الجديدة بيروت): ((فإن كان التقليد جائزا فتقليد من ذكرنا من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أولى من رحمة أبي حنيفة ومالك والشافعي)) اهـ.

ومع ذلك فإنّه لا يجوز لنا أن نلتزم بمذهب صحابي واحد دون غيره وإن كان في جلالة أبي بكر وعمر فضلا عن غيرهما. ذلك أنّه لم ينقل لنا عن أحد من الصحابة ولا من التابعين من كان بكريا ولا عمريا ولا علويا ولا عُثمانيا بل كان الرجل منهم إذا تيسّر له أن يسأل أبا بكر سأله وإن تيسّر له سؤال أبي هريرة سأله وهكذا، ذلك لأنّهم كانوا يُؤمنون أنّ العصمة لا تكون لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أمّا هذا التعصّب للأشخاص فما كانوا يعرفونه ولا شمّوا رائحته ولو من بعيد وإنّما كانوا رضي الله عنهم أزكى وأطهر وأفقه من ذلك بكثير. وقد تقدّم كلام الإمام أبي زيد رحمه الله في المقدّمة فراحعه واحفظه فإنّه مهم.

سئل شيخ اّلإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله تعالى:

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين - رضي الله عنهم أجمعين - في رجل سُئل إيش مذهبك؟ فقال: محمدي أتبع كتاب الله وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

فقيل له: ينبغي لكل مؤمن أن يتبع مذهبا ومن لا مذهب له فهو شيطان.

فقال: إيش كان مذهب أبي بكر الصديق والخلفاء بعده - رضي الله عنهم -؟

فقيل له: لا ينبغي لك إلا أن تتبع مذهبا من هذه المذاهب. فأيهما المصيب؟

أفتونا مأجورين.

فأجاب: الحمد لله.

إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول وهؤلاء أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله: ((وأطيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ منكُم)) (النساء: 59)، إنما تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله لا استقلالا ثم قال: ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)).

وإذا نزلت بالمسلم نازلة فإنه يستفتي من اعتقد أنه يفتيه بشرع الله ورسوله من أي مذهب كان ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور.

والله أعلم. اهـ (مجموع الفتاوى 20/ 208 - 209 جمع ابن القاسم)

قال أيضا عليه رحمة الله: ((إنّه متى اعتقد أنّه يجب على النّاس اتّباع واحد بعينه من هؤلاء الأئمّة الأربعة دون الآخر، فإنّهُ يجبُ أن يُستتاب، فإن تاب وإلا قُتلَ ... )) (مختصر الفتاوى المصرية ص46) (المقدّمة السلفية ص129)

فقد تبيّن من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله –وهو من هو! - أنّه لا يجب على المسلمين إلتزام مذهب بعينه دون آخر.

وكلّ ما في الأمر أنّ الإنسان يسوغ له: أي يجوز له –وفرق بين المُباح والواجب! - أن يُقلّد شخصا بعينه إذا عجز هو عن معرفة أحكام الشرع من غير هذه الوسيلة دون تعصّب بشرط أن يترك قوله إذا تبيّن له خلافه من السنّة الصحيحة أو الإجماع وغيرهما من أدلّة الأصول.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير