نظرة تأصيليّة شرعيّة في المقاطعة الاقتصاديّة
ـ[عماد الجراري]ــــــــ[04 - 03 - 08, 05:38 م]ـ
نظرة تأصيليّة شرعيّة في المقاطعة الاقتصاديّة
ذكرتُ في العدد السابق الخاص بـ (الانتصار للنبي المختار –صلى الله عليه وسلم- سيِّد المهاجرين والأنصار) مقدمات ومداخل حول المقاطعة الاقتصاديَّة، ووعدتُ بإبراز جهود العلماء في هذه النازلة ولا سيما بعد أفاعيل العلوج الكفَّار في الطعن في سيِّد الأبرار، من الحادثة الدنماركيَّة التي اشتهرت في وسائل الإعلام، ووعدتُ بذكر قواعد الأحكام، وفتوى الأئمة الأعلام وإبرازها للأنام، في وقت أصبحت هذه النازلة حديث المجالس، وترددها ألسنة العوام.
وهذه النازلة كغيرها ممن لم يرد بعينها نصّ، فيبقى فيها الاستنباط، وتخريجها على قواعد المصالح والمفاسد، وتنزيلها على المقرَّر عند التنازع، وهذا الإلحاق يعتريه خلاف في التقدير، ولا سيَّما أن الحوادث تتنوع، والنوازل تختلف، فليست المقاطعات في درجة واحدة من حيث الثمرة، وليس تأثيرها واحداً من حيث كونها وسيلة، وهي قائمة عند الاضطرار، وتعطيل الحكم المختار، المنصوص عليه في كلام الأخيار، من إرغام أنوف الكفَّار، وإلحاق الذلِّ بهم والصَّغار.
وبلا شك أنّ المقاطعة في الشرع لها أصول، وهي مظهر من مظاهر البراء، وضرب ولون من ألوان الهجر المشروع، ولكن لا بدَّ لها من ضوابط وقيود، وإبراز ذلك بتأصيل وتقعيد يظهر من خلال فتاوى العلماء الربانيّين، وأسوق في هذه المقالة جملة نقول مهمَّة في هذا الموضوع، والله الموفق، لا ربَّ سواه.
1 - فتوى شيخنا الإمام الألباني –رحمه الله-:
قال في (سلسلة الهدى والنور) شريط رقم (190) ما نصُّه: «قلت آنفاً لبعض إخواننا سألني وكثيراً ما نُسأل عن اللحم البلغاري، وأنا حقيقة أتعجب من الناس! اللحم البلغاري بُلينا به منذ سنين طويلة كل هذه السنين ما آن للمسلمين أن يفهموا شو حكم هذا اللحم البلغاري؟ أمر عجيب! فأنا أقول: لا بدَّ أنكم سمعتم إذا كنتم في شك وفي ريب من أن هذه الذبائح تذبح على الطريقة الإسلاميَّة أو لا تذبح على الطريقة الإسلاميَّة، فلستم في شكّ بأنهم يذبحون إخواننا المسلمين هناك الأتراك المقيمين منذ زمن طويل يذبحونهم ذبح النعاج، فلو كان البلغاريون يذبحون هذه الذبائح التي نستوردها منهم ذبحاً شرعيّاً حقيقةً أنا أقول لا يجوز لنا أن نستورده منهم، بل يجب علينا أن نقاطعهم حتى يتراجعوا عن سفك دماء إخواننا المسلمين هناك، فسبحان الله مات شعور الأخوة التي وصفها الرسول -عليه السلام- بأنها كالجسد الواحد «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمَّى والسهر»، لم يعد المسلمون يحسُّون بآلام إخوانهم فانقطعت الصلات الإسلاميّة بينهم، ولذلك همهم السؤال أيجوز أكل اللحم البلغاري! لك يا أخي أنت عرفت أن البلغار يذبحون المسلمين هناك، ولا فرق بين مسلم عربي ومسلم تركي ومسلم أفغاني إلى آخره، والأمر كما قال -تعالى-: {إنَّما المؤمنون أخوة} [الحجرات:10]، فإذا كنّا إخوانناً فيجب أن يغار بعضنا على بعض، ويحزن بعضنا لبعض، ولا يهتم بمأكله ومشربه فقط.
فلو فرضنا أن إنساناً ما اقتنع بعد بأنّ اللحم البلغاري فطيسة. . . حكمها فطيسة؛ لأنها تقتل ولا تذبح، لا نستطيع أن نقنع الناس بكل رأي؛ لأنَّ الناس لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك كما جاء في القرآن الكريم، فإذا كنا لا نستطيع أن نقنع الناس بأنّ هذه اللحوم التي تأتينا من البلغار هي حكمها كالميتة، لكن ألا يعلمون أن هؤلاء البلغار يذبحون إخواننا المسلمين هناك، أما يكفي هذا الطغيان وهذا الاعتداء الأليم على إخواننا من المسلمين هناك أن يصرفنا عن اللحم البلغاري، ولو كان حلالاً هذا يكفي، وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين» (1).
فالمقاطعة في كلام شيخنا ظاهرة، وهي في سياقه بمعنى (الهجر الزاجر) إن وجدت (الأخوة) الصادقة بين المسلمين.
2 - فتوى الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله-:
ويظهر هذا المعنى على وجه بيِّن في كلام العلامة أحمد شاكر -رحمه الله تعالى-، قال تحت عنوان (مقاطعة الملحدين) ما نصُّه:
¥