«بث الملحدون دعوتهم بين كثير من الناس؛ فأفسدوا كثيراً من عقائدهم، ولمسنا خطرهم على الإسلام بأيدينا، ورأيناه بأعيننا، ثمّ رأوا من المسلمين الصادقين التواكل والسكون؛ فراشوا سهامهم وأعدُّوا عدتهم وهاجمونا من كل جانب، والمبشرون من ورائهم يؤدونهم بأموالهم وصحفهم اتباعاً لخطَّةٍ اختطُّوها بعد التجارب، وقد علموا أن تنصير المسلم دونه خرط القتاد، فاكتفوا الآن -مؤقتاً- بالعمل على تنفيرهم من الإسلام، وتحقيره في أعينهم، وانتزاع عقائده من صدورهم، وآية ذلك أن تجد هؤلاء المجددين لا يطعنون إلا في دين الإسلام وإن تظاهروا بمحاربة كل الأديان.
وقد قامت حركة مباركة بين المخلصين المجاهدين في سبيل الله بالكتابة ضد كل من تحدثه نفسه بالعدوان على الدين الحق، ولكن الكتابة في نظري غير كافية، والمناظرة لا تجدي إلا قليلاً، وإنما الجهاد عمل.
ولا يجوز لنا أن نعتمد في كلّ أمورنا -بل في أمور حياة الإسلام- على الحكومة، وما هي بمجيبة لنا دعوة، ولا بسامعة لصوتنا صدىً، والإسلام يكره العنف والهوج، ولكنه بجانب هذا يحتقر الجبن والذل، ويرفض من يؤمن ببعض الكتب ويكفر ببعض.
ويقول الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق} [الممتحنة:1]، {قد كانت لكم أُسوة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برءاءُ منكم وممّا تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده} [الممتحنة:4]، فكرت في هذا كثيراً فما وجدتُ من طرق الجهاد السلمي الهادئ أجدى علينا من مقاطعة الملحدين.
لا أقصد بهذا أن لا نكلمهم فقط فذا أمر هين، ولكني أريد أن نقاطعهم في كل شيء، لا نأكل طعامهم، ولا نضيفهم، ولا نبايعهم، ولا نصاهرهم، ونقطع كلَّ صلة بأيِّ فرد منهم، ونعلمهم بحكم الله –تعالى- بأنهم خرجوا من الإسلام وحاربوه؛ فلا صلة بينهم وبين المسلمين.
إذا مات أحدهم لا يرثه وارثه المسلم، وإذا مات قريب لهم لا يرثونه، وإذا علمت المرأة أن زوجها منهم وجب عليها أن تفارقه؛ فإن نكاح الكافر للمسلمة نكاح باطل ومعاشرتها له حرام.
إذا كان للرجل ولد منهم حرم عليه إبقاؤه معه تحت سقف واحد ووجب عليه إخراجه، وأن لا ينفق عليه، وكل ما يعطيه فإنما ينفقه في إعانة من يحارب دينه وهو عليه حرام.
وقد أعجبني من هذا النوع كلمة لأستاذنا السيد رشيد رضا للآنسة التي أيدت الأستاذ محمود عزمي في وجوب مساواة المرأة بالرجل، فإنه قال لها (في عدد رمضان سنة 1348 من مجلة المنار الغرّاء): «يجب أن تعلم هذه الفتاة هي وأهلها أنها كانت تعتقد ما يعتقده عزمي في هذه المساواة، وتنكر حقيقة ما قرَّره الإسلام وحسَّنه، فهي مرتدة لا يجوز لمسلم أن يتزوجها، ولا ترث المسلمين ولا يرثونها».
وهكذا يجب أن نفعل؛ كل من أبدى للإسلام صفحته، صدعنا بأمر الله وصارحناه بحكم الإسلام فيه، وعاملناه بما تأمرنا به الشريعة في كل أموره.
هذه فكرة كانت تجول بخاطري من زمن بعيد، وكلَّما هممتُ بكتابتها تريثت حتى تنضج، وأنا أعرضها الآن على إخواني المؤمنين، فما قولهم؟» (2).
فالهجر الإيجابي الزاجر يدخل فيه في نظري وتقديري (المقاطعة الاقتصاديّة) للبلاد التي تسيء للإسلام والمسلمين، فإنَّ (الترك فعل) على الراجح عند الأصوليين، شريطة التأثير الذي يقدره أهل الخبرة، فالمقاطعة معقولة المعنى واستخدامها مشروع -بل مطلوب- فيما ينفع المسلمين، أو يرفع الأذى عنهم، أو إن ترتب عليها زوال المنكر أو تنقيصه، ولعله تصل للوجوب إذا كان أولياء الأمور يأذنون بذلك، أو يأمرون.
3 - فتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله-:
وصرَّح بمشروعية هذه الصورة: فضيلة العلامة الشيخ عبدالعزيز بن باز، واللجنة الدائمة للإفتاء ترى ذلك في فتاواها (فتوى رقم 21776).
4 - فتوى الشيخ محبّ الدين الخطيب –رحمه الله-:
ووجدت كلمة جيدة للعلامة السلفي محب الدين الخطيب، كتبها في افتتاحية العدد (175) من مجلته القيِّمة «الفتح» بتأريخ (26 جمادى الآخرة 1348هـ - الموافق 28 نوفمبر 1929)، وهي بعنوان (المقاطعة أمضى سلاح بأيدي عرب فلسطين)، ومما قال فيها:
¥