5) واحتجوا بما أخرجه الحاكم من طريق أبي صالح كاتب الليث (منكر الحديث) عن الليث عن يعقوب بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن جبير عن محمد بن ثابت بن شرحبيل (فيه جهالة) أن عبد الله بن يزيد الخطمي حدثه عن أبي أيوب الأنصاري t أن رسول الله r قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفة ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جارة ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر من نسائكم فلا تدخل الحمام». وهذا حديثه أعله الهيثمي بضعف أبي صالح. قلت: وكذلك جهالة ابن شرحبيل.
6) واحتجوا بما أخرجه أحمد وأبو يعلى و الطبراني و الحاكم من طريق دراج أبي السمح عن السائب: أن نساء دخلن على أم سلمة t، فسألتهن من أنتن؟ قلن: من أهل حمص. قالت: من أصحاب الحمامات؟ قلن: وما بها بأس؟ قالت: سمعت رسول r: « أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيتها فقد خرق الله عنها سترها». أخرجوه من طريق دراج أبي السمح (متروك كما قال الحافظ الدارقطني) عن السائب (مجهول). فهذا إسناده مظلمٌ لا تقوم به حجة.
7) واحتجوا بحديث مظلمٍ عن أم الدرداء t قالت: خرجت من الحمام، فلقيني النبي r فقال: «من أين يا أم الدرداء؟». فقلت: من الحمام. فقال: «والذي نفسي بيده، ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها، إلا هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل». وهذا حديث موضوع. سرد ابن الجوزي أسانيده ثم قال في العلل المتناهية (1
341): «هذا حديث لا يصح. قد سبق في كتابنا أن ابن لهيعة ذاهب الحديث. فأما زبان، فقال أحمد: أحاديثه مناكير. وقال ابن حبان: لا يحتج به. وأما سهل بن معاذ، فقال يحيى: ضعيف. وقال ابن حبان: لست أدري التخليط منه أو من زبان. وأما أبو صخر، فاسمه حميد بن زياد، ضعفه يحيى. وهذا الحديث باطل، لم يكن عندهم حمامات زمن رسول الله r».
8) وأخرج الترمذي بإسناد ضعيف عن ابن عباس t عن النبي r قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل الحمام (إلا بمئزر). ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل حليلته الحمام .... الخ». وهذا الحديث كفانا الترمذي بيان ضعفه فقال في سننه (5
113): «هذا حديث حسن غريب. لا نعرفه من حديث طاووس عن جابر، إلا من هذا الوجه. قال محمد بن إسماعيل (أي البخاري): ليث بن أبي سليم صدوق وربما يهم في الشيء. قال محمد بن إسماعيل وقال أحمد بن حنبل: ليث لا يفرح بحديثه، كان ليث يرفع أشياء لا يرفعها غيره. فلذلك ضعفوه».
9) وهناك أحاديث ضعيفة أخرى، ولا حجة لهم فيها. ولذلك قال الحافظ الحازمي في كتابه الاعتبار (187): «باب النهي عن دخول الحمام ثم الإذن فيه بعد ذلك». ثم قال في آخره: «وأحاديث الحمام كلها معلولة (يعني المرفوعات)، وإنما يصح فيها عن الصحابة رضي الله عنهم». وقد ضعفها كذلك الحافظ عبد الحق الأشبيلي في الأحكام الوسطى له (1
244). وقال الذهبي: «أحاديث الحمام لم يتفق على صحة شيء منها». وقال المنذري: «أحاديث الحمام كلها معلولة. وإنما يصح منها عن الصحابة». قال العجلوني في كشف الخفاء (2
566) في الخاتمة في باب الأحاديث الموضوعة: «وباب النهي عن دخول الحمام لم يصح فيه شيء».
10) واحتجوا بأثرٍ موقوفٍ على عمر بن الخطاب t ينهى فيه نساء المسلمين على دخول الحمامات. وقالوا: هذا النهي دليلٌ على أن المرأة يجب عليها أن تستتر من المرأة الأخرى وتغطي غالب جسمها. لأنه لا يجوز لها الدخول إلى الحمام إلا لضرورة.
قلنا: هذا الأثر جاء من عدة طرق كلها ضعيف. فقد رواه عبد الرزاق (1
295 #1134) عن ابن المبارك عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي –قال ابن الأعرابي: وجدت في كتاب غيري عن قيس بن الحارث– قال: «كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي عبيدة بلغني ... » فذكره. ورواه عبد الرزاق أيضاً (1136) من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب t إلى أبي عبيدة فذكره.
ولكن رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي عن أبيه عن الحارث بن قيس قال كتب عمر بن الخطاب t إلى أبي عبيدة t فذكره، فزاد فيه عن أبيه، وجعله من رواية الحارث بن قيس. ورواه سعيد بن منصور أيضاً عن عيسى بن يونس عن هشام بن الغاز عن عبادة بن نسي قال: «كتب عمر بن الخطاب t... الحديث». ورواه ابن جرير كذلك عن عيسى بن يونس بمثله.
ففي رواية ابن المبارك عند عبد الرزاق وعيسى بن يونس عند سعيد بن منصور وابن جرير عن عبادة بن نسي مرسلاً. وزاد إسماعيل بن عياش كما في رواية سعيد بن منصور عن عبادة عن أبيه عن الحارث بن قيس، ونسي والد عبادة مجهول. وأسقطه في رواية عبد الرزاق. فيكون الأثر منقطعاً بين عبادة وقيس بن الحارث، كما أنه جعله من رواية الحارث بن قيس بدل قيس بن الحارث. وهذا كله يدل على اضطراب إسماعيل في روايته لهذا الأثر. بينما الأثبات رووه عن عبادة (ت 118هـ) مرسلاً. فيكون مدار الحديث على "نسي" المجهول. وقد رجح ذلك أبو حاتم كما في الجرح والتعديل (8
510).
وأخرجه عبد الرزاق (#1133) من طريق سليمان بن موسى، وهو ضعيف قال عنه البخاري: «عنده مناكير». ومتن هذه الرواية مضطرب في كل الروايات فلا يمكن تقويتها أو تصحيحها. قال الإمام أحمد (في رواية عبد الملك الميموني): «وعمر كتب إلى أهل الشام: امنعوا نساءهم أن يدخلوا مع نسائكم الحمامات»، ثم قال: «ليس له ذاك الإسناد».
11) ويشبه هذا ما أخرجه عبد الرزاق (#1135) عن محمد بن عبيد الله (العرزمي، ضعيف) عن أم كلثوم قالت: «أمرتني عائشة فطليتها بالنورة. ثم طليتها بالحناء على إثرها، ما بين فرقها إلى قدمها في الحمام، من حصنٍ كان بها. فقلت لها: "ألم تكوني تنهي النساء؟ ". فقالت: "إني سقيمة. وأنا أنهى الآن أن تدخل امرأة الحمام، إلا من سقم"». وفي "لسان العرب" لإبن المنظور: «النُّورَةُ من الحجر الذي يحرق ويُسَوَّى منه الكِلْسُ ويحلق به شعر العانة». قلت: هذا الأثر ضعيف ليس لهم به حجة.
¥